قليل ما هم

يقول أحد المؤمنين: لقد كنت أؤمن بوجود التقوى كنظرية في بطون الكتب فقط، وكنت أنكر وجودها على صعيد الواقع العملي فـي هذا الزمن الرديء، الذي طغت على الناس فيه مظاهر المادة والمنكر والفساد، واعتادت فيه بطونهم وأنظارهم على الحرام ومشاهده.

كان هذا هو اعتقادي، إلى أن قيّض لي أن عاشرت رجلـين اثنـين بدّلا تفكيري، وقلَّبا ذلك الاعتقاد عندي. أحدهما في مدينة قم المقدسة وهو الشيخ أبو القاسم، والآخـر فـي مدينـة النجـف الأشرف وهـو السيد مرتضى الكشميري.

ثم ذكر المؤمن المذكور بعض أحوال الشيخ أبي القاسم فقال: ذات ليلة، أرسل (صمصام) رئيس شرطة قم كيساً فيه مبلغ كبير من المال إلى الشيخ، غير إن الشيخ رفض تسلًّم المبلغ، وأمر ابنه أن يعيده.

ولما أن رأى من ابنه الممانعة في رده، والتعذر بأنهم في أمس الحاجة إلى ذلك المال، قال له الشيخ إن الله سبحانه، قد منَّ علينا ـ يا ولـدي ـ بالعقل.

وهذا المال هو في أحسن الأحوال دَيْنٌ وجَميلٌ للقـوم علينا. وأنت تعلم أنهم لايعطون شيئاً من دون مقابل، ولعلهم يطلبون منا أشياء فيما بعد، لا يجوز لنا أن نلبيها لهم.

فاقتنع الابن وأعاد الأموال إلى مرسلها.

ومما ذكر العالم المذكور في حق الشيخ إنه كان يمر على باب دار الشيخ عبد الكريم الحائري  (مؤسس الحوزة العلمية في قم) ويقول : ( إن النظر إلى باب داره ثواب، والحضور في درسه ثواب ) .

ولم يكن الشيخ أبو القاسم يتصرف في سهم الإمام (عليه السلام)، مع ما كان عليه من ضعف الحال، وضيق ذات اليد، إلى درجة أنه لم يكن يجد ـ أحياناً ـ ما يأكله، كما نقل أولاده.

وحينما تدرّ عليه السماء برزقها تجده لا يدخر وسعاً فـي دعـوة الفقراء والمحتاجين ليشاركوه في سرائه ونعمته .. ثم يشكر الله سبحانه على رزقه وما أجراه من الخير على يديه.

ومما ذكره بعضهم في أحواله إنه كان يكنّ احتراماً فائقاً وواضحاً لزوجته الكريمة، وذلـــك بسبب انتسابها إلى الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله)، ففي السرّاء كان يغدق عليها في العطاء، وفي الضراء كان يطعم نفسه رغيف الشعير من أجل أن تهنأ زوجته برغيف الحنطة.

**   الشيخ عبد الكريم بن جعفر الحائري، ولد في يزد سنة 1276هـ‍ لهُ باع طويل في نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام، أسس الحوزة العلمية في قم المقدسة، توفى سنة 1355هـ‍، وترك عدّة مؤلفات منها درر الفوائد في الاصول، الصلاة والمواريث في الفقه .