أبو طالب (رضوان الله عليه) مؤمن قريش
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
تأثّر البعض بالتاريخ المزيّف، واتّخذه ديناً له، مقلّداً النهج الاُموي، بحقده ومظالمه على الرسالة وأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مردّداً بلا ورع ولا بحث عن الحقيقة، تلك الأكذوبة الاُموية القديمة: إن أبا طالب مات كافراً.
أسمه:
عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي.
ألقابه:
سيد البطحاء، وشيخ قريش، ورئيس مكة وبيضة البلد، والشيخ، وشيخ الأباطح.
كنيته:
(أبو طالب) وهو لقب غلب عليه حتى لم يُعرف أحدٌ يناديه باسمه الأصلي (عبد مناف).
ولادته:
ولد عام 88 قبل الهجرة، بعد حفر زمزم وقبل عام الفيل ومولد النبي (صلى الله عليه وآله) بخمس وثلاثين سنة.
سيادته على قومه:
كان أبو طالب يتمتع بشخصية قوية مهابة في نفوس قومه طاهراً مستقيماً يقلدونه في أفعاله، ولا يتقدمونه بأمر إلاّ بعد أن يستشيروه، وكانت رئاسة قريش بعد عبد المطلب لأبي طالب، وكان أمره نافذاً. [1]
أبو طالب يخلف أباه:
ورث أبو طالب كل مناصب أبيه ومكانته الاجتماعية، فقد كان قويّ الشخصيّة سامياً في أخلاقه، شجاعاً طيب النفس، فأصبح سيد بني هاشم، ولم يكن هو الابن الأكبر لعبد المطلب.
واحتل السيادة لقريش رغم فقره، لأن السيادة تحتاج الى المال الكثير وهو لا مال له، ولذا قيل: لم يكن أحد يسود قريشاً بلا مال سوى أبي طالب. قال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): (أبي ساد فقيراً وما ساد فقير قبله).[2]
وحين تولّيه لمكانة أبيه أوكل سقاية الحاج لأخيه العباس بن عبد المطلب، لأن هذه المهمة تحتاج الإنفاق الكثير، والعباس لديه المال.
وكان أبو طالب (رضي الله عنه) واسع التفكير أصيلاً في تربيته، إنه الفرع الذي التزم بمبادئ الحنفية، فنجده أوّل من سنّ القسامة في الجاهلية في دم عمر بن علقمة، ثم أثبتتها السنّة في الإسلام. شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد: ج15، ص219.
أبو طالب كافل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وناصره:
في السنة الثامنة من مولد النبي (صلى الله عليه وآله) توفي عبد المطلب (رضي الله عنه) وقد أوصى ولده البار أبا طالب (رضي الله عنه) برعاية النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وكفالته بعده، وكان عبد المطلب وأبو طالب (رضي الله عنه) من أعرف الناس وأعلمهم بشأن النبي (صلى الله عليه وآله) وكانا يكتمان ذلك عن الجهال وأهل الكفر والضلال.
وهذه وصية عبد المطلب له: (يا أبا طالب إن لهذا الغلام لشأناً عظيما فأحفظه واستمسك به فإنه فرد وحيد وكن له كالأم، لا يصل إليه بشيء يكرهه... يا أبا طالب انظر أن تكون حافظا لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ولا ذاق شفقة أمه، انظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك، فإني قد تركت بَنيَّ كلهم وأوصيتك به، لأنك من أم أبيه، يا أبا طالب إن أدركت أيامه فاعلم أني كنت من أبصر الناس وأعلم الناس به، فإن استطعت أن تتبعه فافعل وانصره بلسانك ويدك ومالك، فإنه والله سيسودكم ويملك ما لم يملك أحد من بني آبائي، يا أبا طالب ما أعلم أحدا من آبائك مات عنه أبوه على حال أبيه ولا أمه على حال أمه فاحفظه لوحدته، هل قبلت وصيتي فيه؟ فقال: نعم قد قبلت، والله عليَّ بذلك شهيد، فقال عبد المطلب: فمد يدك إليَّ، فمَد يده إليه، فضرب يده على يده ثم قال عبد المطلب: الآن خفف عليَّ الموت..).[3]
موقف الرسول (صلى الله عليه وآله) من أبي طالب:
كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يحبّ أبا طالب ويثني عليه طيلة حياته، ولا يمكن فصل حياة أبي طالب عن سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: أن أبا طالب لمّا مات جاء علي (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فآذنه في موته فتوجع عظيماً وحزن شديداً، ثم قال له: امض فتول غسله، فإذا رفعته على سريره فأعلمني، ففعل فاعترضه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو محمول على رؤوس الرجال، فقال: وصلتك رحم يا عم جزيت خيراً، فلقد ربيت وكفلت صغيراً ونصرت وآزرت كبيراً، ثم تبعه إلى حفرته، فوقف عليه، فقال: أما والله لأستغفرن لك ولأشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان. [4]
وقد أجاد الشيخ المفيد (رحمه الله) عندما علّق على هذا الحديث بقوله: في هذا الحديث دليلان على إيمان أبي طالب (رضي الله عنه):
الأول: أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام) بغسله وتكفينه دون الحاضرين من أولاده، إذ كان من حضره منهم سوى أمير المؤمنين إذ ذاك على الجاهلية، لأن جعفراً (رحمه الله) كان يومئذ ببلاد الحبشة، وكان عقيل وطالب حاضرين وهما يومئذ على خلاف الإسلام، لم يسلما بعد، وأمير المؤمنين (عليه السلام) كان مؤمناً بالله تعالى ورسوله، فخصّ المؤمن منهم بولاية أمره، وجعله أحقّ به منهما لإيمانه وخاصّته إياه في دينه.
ولو كان أبو طالب (رضي الله عنه) قد مات على ما يزعمه النواصب من الكفر، كان كل من عقيل وطالب أحقّ بتولي أمره من علي (عليه السلام)، ولما جاز للمسلم من ولده القيام بأمره لانقطاع العصمة بينهما، وفي حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) به دونهما وأمره إياه بإجراء أحكام المسلمين عليه من الغسل والتطهير والتحنيط والتكفين والمواراة، شاهد صدق على إيمانه كما بيّناه.
الثاني: دعاء النبي(صلى الله عليه وآله) له بالخيرات، ووعده اُمته فيه بالشفاعة إلى الله واتباعه بالثناء والحمد والدعاء، وهذه هي الصلاة التي كانت مكتوبة إذ ذاك على أموات أهل الإسلام، ولو كان أبو طالب قد مات كافراً، لما وسع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الثناء عليه بعد الموت، والدعاء له بشيء من الخير، بل كان يجب عليه اجتنابه واتباعه بالذم واللوم على قبح ما أسلفه من الخلاف له في دينه، كما فرض الله عزّ وجل ذلك عليه للكافرين، حيث يقول: (وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ...)[5]، وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ...)[6].
وإذا كان الأمر على ما وصفناه ثبت أن أبا طالب (رضي الله عنه)، مات مؤمناً بدلالة فعله ومقاله (صلى الله عليه وآله).[7]
أبو طالب في ضحضاح من نار!
لقد حاول بنو أمية إنكار فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) فتتبعوها واحدة واحدة لتغييرها أو محوها أو منع الناس بالحديث عنها، وتأريخ معاوية في هذا الشأن واضح معروف، وفي المقابل حاول أن يختلق أحاديث في فضائل مناوئيه ليرفعهم بدلا عن أهل البيت فوضع جملة من الأحاديث في فضائل الشيخين وبني أمية ونفسه وأبيه أبي سفيان، ومن الذين نالهم التحريف والتزييف أبو طالب (رضي الله عنه)، فقد اختلقوا له حديثا عرف بحديث الضحضاح ونقلوه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه -وآله – وسلم) ذُكر عنده عمه أبو طالب فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه[8]، مع أنهم يروون: أن الشفاعة لا تحل لمشرك، فلماذا حلت لهذا المشرك بالذات، بحيث أخرجته من الدرك الأسفل إلى الضحضاح؟!
إنّ الأئمّة كذّبوا رواية الضحضاح المروية عند العامّة، فعن أبي بصير ليث المرادي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): سيدي إن الناس يقولون: إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه، فقال عليه السلام: (كذبوا والله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في كفة ميزان لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم)[9]، وعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّ عبد العظيم بن عبد الله العلوي كتب إليه (عليه السلام): عرّفني يا بن رسول الله عن الخبر المروي أنّ أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه، فكتب إليه الإمام الرضا (عليه السلام): (بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فإنّك إن شككت في إيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار) إيمان أبي طالب للشيخ المفيد:ص4، وعن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال: (يا يونس! ما يقول الناس في أبي طالب؟) قلت: جعلت فداك، يقولون: هو في ضحضاح من النار، وفي رجليه نعلان من نار يغلي منهما أُمّ رأسه، فقال (عليه السلام): (كذب أعداء الله، إنّ أبا طالب من رفقاء النبييّن والصدّيقين والشهداء الصالحين وحسن أولئك رفيقاً).[10]
وإننا إذا تتبعنا سير الدعوة، ومواقف أبي طالب (رضي الله عنه) فإننا نجد: أنه كان بادئ ذي بدء يكتم إيمانه، تماما كمؤمن آل فرعون، والظاهر أنه قد استمر يظهر ذلك تارة، ويخفيه أخرى إلى أن حوصر الهاشميون في الشعب، فصار يكثر من إظهار ذلك وإعلانه.
وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: (إن مَثَل أبي طالب مَثَل أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان، وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين)[11].
وفاة أبي طالب (عليه السلام):
ولم يمهل القدر سيد قريش ورئيس مكة ـ الذي ساد بشرفه لا بماله ـ فقد توفي أبو طالب في السادس والعشرين من شهر رجب سنة 3 قبل الهجرة، وقيل في 7 شهر رمضان 10 للبعثة النبوية الشريفة في شعب أبي طالب بمكّة المكرّمة، نعم مات المربي والكافل والناصر، فيا لها من خسارة جسيمة ونكبة عظيمة، ويا لها من أيام محزنة يفتقد (صلى الله عليه وآله) فيها سنده القوي وملجأه الأمين من عتاة قريش.
ورد في الخبر أنّه لما توّفي أبو طالب، أوحى الله إلى رسوله (صلى الله عليه وآله) أن أخرج فقد مات ناصرك.[12]
ولما قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أبا طالب قد مات، عظم ذلك في قلبه واشتد له جزعه، ثم دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرات وجبينه الأيسر ثلاث مرات، ثم قال: يا عم، ربيت صغيراً، وكفلت يتيماً، ونصرت كبيراً، فجزاك الله عني خيراً، ومشى بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول: وصلتك رحم وجزيت خيراً. وقال (صلى الله عليه وآله): اجتمعت على هذه الأمة في هذه الأيام مصيبتان، لا أدري بأيهما أنا أشد جزعاً، يعني مصيبة خديجة وأبي طالب. [13]
لتحميل الملف اضغط هنا
[1] أسنى المطالب لابن دحلان: ص6.
[2] تاريخ اليعقوبي: ج2، ص14.
[3] كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص 172.
[4] شرح النهج لابن أبي الحديد: ج14,ص 76.
[5] سورة التوبة: آية 84.
[6] سورة التوبة: آية 114.
[7] إيمان أبي طالب للشيخ المفيد: ص27.
[8] صحيح مسلم: ج1، ص135.
[9] كنز الفوائد للكراجكي:ص80.
[10] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج35، ص111.
[11] الكافي الشيخ الكليني: ج1,ص448.
[12] مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للمجلسي: ج9، ص176.
[13] تاريخ اليعقوبي: ج2، ص35.