تكمن عظمة الثورات عبر التاريخ في قيمية منطلقاتها وأهدافها. هناك ثورات كثيرة في التاريخ البشري قامت بوجه الظلم والطغيان، لكن ومن بين تلك الثورات امتازت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) بأنها في أعلى درجات الالتزام القيمي، فقد كانت ثورة قيمية مبدئية في المقام الأول.
فالحسين (عليه السلام) لم يتحرك من أجل مكسب شخصي، أو منصب قيادي، أو مصلحة لمنطقة أو طائفة، إنما تحرك من أجل القيم، ومن أجل الله تعالى، هذا ما كان يصرح به في كل مفصل من مفاصل ثورته، وعند كل منعطف من منعطفات مسيرته، فقد قال منذ بداية تحركه عند خروجه من المدينة: «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»[1]، وقال في كلمة أخرى يوم عاشوراء: «ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وأن الباطل لا ينتهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقًّا، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا برما»[2].
لقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) يستحضر حتى اللحظات الأخيرة من حياته حينما وقع من على ظهر جواده المنطلقات التي نهض من أجلها، فقد قال وهو يهوي إلى الأرض بعد أن أصابه السهم المثلث «بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله»[3]. إذاً فهي ثورة قيمية في منطلقاتها وأهدافها، والأهم من ذلك أنها قيمية في حراكها وفي ممارسة قادتها وأبطالها.
الانفعال يحرف الهدف:
تكمن الصعوبة الكبرى لدى العاملين في الساحة حينما تسيطر عليهم مشاعر الثورة والغضب. فالإنسان العامل يقف هنا أمام تحدٍّ كبير، ينذر بغياب الهدف النبيل في تحركه، وحضور الحالة الذاتية في مقابل ذلك. فأصل التحرك كان من أجل هدف صحيح ومصلحة عامة، ولكن في أثناء التحرك يواجه موقفاً فينحرف به نحو أهداف شخصية، وانتقام للذات، حينئذٍ لا يعود التحرك منسجماً مع القيم المبدئية التي يريدها وأنطلق على أساسها، فلا ينبغي للعاملين أن يندفعوا بحماس فيقعوا في تصرفات انتقامية، انطلاقاً من دوافع شخصية كانت أم فئوية أم طائفية.
رعاية الحرمات:
إن من أعظم الخطايا أن ينجر الثائرون لتنفيس غضبهم بما ينتهي لهلاك النفوس المعصومة الدم، أو الاعتداء على حرمات وحقوق الآخرين. وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل»[4].
فلا مبرر مطلقاً لحالة الغضب والانفعال التي يمكن أن تقود إلى إيذاء أو قتل الطرف الآخر، دون تثبّت ودون وجه حق، فالناس محاسبون يوم القيامة عن كل قطرة دم سفكت بغير وجه حق، وحينها لا ينفع أي تبرير، ولاتَ حين مناص.
فما أحرانا ونحن نستحضر سيرة وثورة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، أن نستحضر معها قيمها ومبادئها التي نهض من أجلها، وأن يكون هدفنا في كل حركة وعمل ليس الانتقام للذات والتنفيس عن الغضب والاحتقان وإنما رضا لله سبحانه وتعالى.