يعاني بعض الشباب من اضطرابات نفسية مركبة من القلق والحيرة، والشعور بالعجز تجاه بعض الأهداف والطموح، وأكثر ما يتعلق ذلك بما يحيط بالشباب من الأمور غير الواقعية، التي لا يمكن أن تتحقق بالسهولة التي يتمناها الشباب.
وعلاج هذا الاضطراب والقلق النفسي لا يتم عن طريق الوصفات الطبية والمهدئات المشهورة، وإنما العلاج والدواء النافع يبدأ من داخل الشاب صاحب هذا الشعور، بأن يحاول أن يكون مدركاً أنه يعيش في واقع يفرض أدواته وإمكاناته ومعطياته عليه، ولابد للشاب أن يدرك أيضاً أن هناك آمالاً وأحلاماً عند كل شخص، وليس بالضرورة أن تتحقق كلها متى نريد وبالطريقة التي نفضّلها، وعلى الشاب أن يربط نفسه وحياته بما هو واقعي وممكن التحقق، أكثر من ارتباطه بالأمنيات والأحلام التي يرغب في تحقيقها، وهذا لا يعني أنه يترك التفكير نهائيّاً في مستقبله وطموحاته، بل يعني عليه أن يسعى سعياً جدّياً لتحقيقها، لكن في ظرف الواقع الذي يقيّده بإمكاناته وأدواته.
بني:
إن الشخص الواقعي يكون متفائِلاً تجاه الحياة، فيحسن ويطيب ظنه مع من حوله، وهو الذي يمنح نفسه صفة الواقعية في تحقيق أهدافه وتطلعاته، بدونِ يأس وفقدان أمل، مع الالتفات إلى شدّة التفاؤل ينبغي أن لا يبالغ فيه إلى الدرجة التي يُعدّ فيها بسيطاً بما ينافي الفطنة.
ومن حقك - بني - أن تطمح وتحلم، لكن ينبغي أن تكون الأحلام بعيدة عن تحكم الخيال غير المسيطر عليه، لتكون في ساحة احتمال تحققها في وقتها؛ لأنها غير بعيدة جداً عن الواقع؛ فإذا كنت واقعياً فإن لك - كما لآخرين - أحلام وطموح، لكن ينبغي أن لا ترتفع بعيداً عن عالم الواقع.
ولا يتوهم أحد أن الواقعية تبتعد بالشخصية عن عالم المرونة والمجاملة والألفة بالآخرين، بل هي صفة جميلة تزيد ألوان شخصية الإنسان لمعاناً وبريقاً، ولا يتصور أحد أن الواقعي يلغي عواطفه وشعوره، وإنما هو يسخرها للممكنات التي تفرض نفسها عليه، بل الملاحظ أن الشخص الواقعي في تعاملهِ مع الناس يستخدم الأسلوب الواضح، لا يُساوم على حساب قناعاتهِ الداخلية، صادق الأثر، صريح الكلمة، ثابت المبدأ، غالباً ما تأتي كلماته هادفة وحاكية لما يجري في الحياة العملية وما يؤمن بهِ الجميع، وهو يتعامل مع الآخرين بما يرتضيه الواقع وما يتقبلهُ العقل السليم المبصر.
مميزات الشخصية الواقعية
- تبرز لديهم القدرات العقلية في كافة الأمور التي يقومون بهم.
- يعتمدون على الأدلة والتفسيرات المنطقية في الحكم على الأمور من حولهم.
- يتمتع الشخص الواقعي بدرجة كبيرة من الإيمان والرضا، كما إنهم أشخاص متصالحون مع أنفسهم.
- يتميز الشخص الواقعي بالصدق والوضوح، كما لا يميل إلى المجاملة والكلام المعسول.
- الشخص الواقعي قليل الكلام، كما يتصف بالتوازن ويضع دائماً الكلمة في محلها.
- يدرك أصحاب الشخصية الواقعية إمكانياتهم جيداً، كما يعملون على توظيفها بشكل جيد يحقق لهم المنفعة.
- صاحب الشخصية الواقعية يضع لنفسه أهدافاً عملية تتناسب مع إمكانياته وقدراته.
- يلتجئ الشخص الواقعي دائماً إلى النطاق والحدود الآمنة، ولا يميل إلى المجازفة أو المخاطرة، بل يتبع الحذر في كافة أمورهم.
والخلاصة: ينبغي على الشباب اليوم أن يعيشوا حياتهم حسب إمكاناتهم وأدواتهم المتاحة والممكنة، ويضعوا طموحاتهم ومستقبلهم نصب أعينهم في السعي جاهدين إلى تحقيقها، لذا يجب أن تكون قريبة من احتمال حصولها في الواقع.
أما الأماني البعيدة، والمشاريع الافتراضية، فإنها تسبب الاضطراب النفسي، وتؤثر في شخصية الإنسان وعلى تحقيق الأهداف الممكنة.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (57)