هل ينتظر الجن صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

حازت مسألة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) على اهتمام خاص من قبل الباحثين قديماً وحديثاً باعتباره المنقذ الموعود والمخلِّص المنتظر للعالم من الظلم والجور، والناشر للعدل والباعث الطمأنينة في العيش الإنساني الرغيد.

وقد وجدت في بعض البحوث على فرع يخص هذه المسألة على شكل سؤال واستفسار لأحدهم وهو: هل إن الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو عقيدة النوع الإنساني فقط أم هو من عقائد الجن أيضاً؟

وبعبارة أخرى: هل هو (عليه السلام) غائب عن عالم الجن أم عن عالمنا فقط وهو ظاهر للجن؟

ومع قليل تتبع وتأمل نجد جواب هذا السؤال واضحاً في القرآن الكريم وبعض الروايات الشريفة عن أئمتنا (عليهم السلام).

إن أهم ما يشترك به الجن مع الإنسان هو توجه التكاليف العبادية، وإذا فهمنا من العبادة معنى أوسع من العبادات المعروفة، فتشمل جميع التكاليف من الأوامر والنواهي، بل المستحبات والمكروهات كذلك، قال تعالى في سورة الذاريات آية 56 (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فهذه الآية تدل على تكليفهم بالعبادات.

وقال تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ)[1]، وهذه الآية دالة على تكليفهم بشرايع الأنبياء وخاتمها شريعة نبينا (صلى الله عليه وآله)، وهي الشريعة العامة، فإذا ثبت أن إرسال النبي (صلى الله عليه وآله) إليهم هو نفس إرساله للإنس لزمهم على هذا الأساس الإتيان بكل تكليف وجد في شريعة الإسلام، إلا أن يدل دليل على التخصيص بتكليفهم بغير تكاليف الإنس، أو ببعضها، ولم يرد مثل هذا الدليل.

أما بالنسبة للروايات الشريفة فقد ورد في بصائر الدرجات للصفار ص116 عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت أستأذن على أبي جعفر (عليه السلام) فقيل: إن عنده قوماً فاثبت قليلا حتى يخرجوا، فخرج قوم أنكرتهم ولم أعرفهم، ثم أذن فدخلت عليه، فقلت: جعلت فداك هذا زمان بني امية وسيفهم يقطر دماً، فقال: يا أبا حمزة هؤلاء وفد شيعتنا من الجن جاءوا يسألوننا عن معالم دينهم.

إذاً فإن من الجن من هو من شيعتهم ويؤمن بإمامتهم (عليهم السلام) ويقرّ بها وهو من مواليهم، وإذا تبين أن الجن فيهم من يوالي ويشايع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهم يراجعونهم في معرفة أحكام الشريعة والدين، وأن الإمام الثاني عشر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وظروف حضوره وغيبته وظهوره من عقائد وأصول الشيعة والتشيع فيكون غائبا عن الجن كما هو غائب عن الإنس، والجن مكلّفون بانتظاره ونصرته والدعاء له، كما أن الإنس مكلفون بذلك.

يتضح أن الجنَّ خلق مشمولون بالتكاليف الشرعية كما هو حال الإنس وخاضعون لمنظومة الثواب والعقاب الإسلامية، عليهم العقاب إن أساؤا وعصوا، ولهم ثواب إن أحسنوا وأطاعوا.

ويتضح أن أحاديث غيبة الإمام (عليه السلام) عامة، ولا يوجد حديث يخصص  غيبته عن عالم الإنس فقط دون الجن ؛ فلذلك هو غائب عن كل منهما على حد سواء، كما أن القول بأن الإمام (عليه السلام) غائب عن الناس لا يعني أنه غائب غيبةً لا يظهر فيها لأحد ؛ بل معناه أنّ الظهور الذي توكل له فيه مهمة إصلاح البلاد ونشر القسط والعدل غير حاصل، أما الظهور لبعض الأفراد في حوادث خاصة فقد يحصل أحياناً، وهذا واضح في حالات التشرف باللقاء به عند بعض الشيعة، وكذا يحصل هذا الأمر في عالم الجن أيضاً بمقتضى عموم الأخبار والروايات.

المصدر: مجلة اليقين العدد (5)

 


[1] الأنعام آية 130.