استعمال العلم

- قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) في خطبة له: ((أَيُّهَا النَّاسُ إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ إِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بِغَيْرِه كَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ الَّذِي لَا يَسْتَفِيقُ عَنْ جَهْلِه بَلْ قَدْ رَأَيْتُ أَنَّ الْحُجَّةَ عَلَيْه أَعْظَمُ والْحَسْرَةَ أَدْوَمُ عَلَى هَذَا الْعَالِمِ الْمُنْسَلِخِ مِنْ عِلْمِه مِنْهَا عَلَى هَذَا الْجَاهِلِ الْمُتَحَيِّرِ فِي جَهْلِه وكِلَاهُمَا حَائِرٌ بَائِرٌ لَا تَرْتَابُوا فَتَشُكُّوا ولَا تَشُكُّوا فَتَكْفُرُوا ولَا تُرَخِّصُوا لأَنْفُسِكُمْ فَتُدْهِنُوا ولَا تُدْهِنُوا فِي الْحَقِّ فَتَخْسَرُوا وإِنَّ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَفَقَّهُوا ومِنَ الْفِقْه أَنْ لَا تَغْتَرُّوا وإِنَّ أَنْصَحَكُمْ لِنَفْسِه َطْوَعُكُمْ لِرَبِّه وأَغَشَّكُمْ لِنَفْسِه أَعْصَاكُمْ لِرَبِّه ومَنْ يُطِعِ الله يَأْمَنْ ويَسْتَبْشِرْ ومَنْ يَعْصِ الله يَخِبْ ويَنْدَمْ))[1].

2- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيه قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَر(عليه السلام) يَقُولُ: ((إِذَا سَمِعْتُمُ الْعِلْمَ فَاسْتَعْمِلُوه ولْتَتَّسِعْ قُلُوبُكُمْ فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا كَثُرَ فِي قَلْبِ رَجُلٍ لَا يَحْتَمِلُه قَدَرَ الشَّيْطَانُ عَلَيْه فَإِذَا خَاصَمَكُمُ الشَّيْطَانُ فَأَقْبِلُوا عَلَيْه بِمَا تَعْرِفُونَ فَإِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً فَقُلْتُ ومَا الَّذِي نَعْرِفُه قَالَ خَاصِمُوه بِمَا ظَهَرَ لَكُمْ مِنْ قُدْرَةِ الله عَزَّ وجَلَّ)) [2].

3- عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصادق(عليه السلام) قَالَ: ((الْعِلْمُ مَقْرُونٌ إِلَى الْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ ومَنْ عَمِلَ عَلِمَ والْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَه وإِلَّا ارْتَحَلَ عَنْه)) [3].

4- عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ عَنْ أَبِيه قَالَ: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(عليهما السلام) فَسَأَلَه عَنْ مَسَائِلَ فَأَجَابَ ثُمَّ عَادَ لِيَسْأَلَ عَنْ مِثْلِهَا فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(عليهما السلام) مَكْتُوبٌ فِي الإِنْجِيلِ لَا تَطْلُبُوا عِلْمَ مَا لَا تَعْلَمُونَ ولَمَّا تَعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِه لَمْ يَزْدَدْ صَاحِبُه إِلَّا كُفْراً ولَمْ يَزْدَدْ مِنَ الله إِلَّا بُعْداً)) [4].

5- عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصادق(عليه السلام) قَالَ: ((إِنَّ الْعَالِمَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِه زَلَّتْ مَوْعِظَتُه عَنِ الْقُلُوبِ كَمَا يَزِلُّ الْمَطَرُ عَنِ الصَّفَا)) [5].

6- عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصادق (عليه السلام) قَالَ: ((قُلْتُ لَه بِمَ يُعْرَفُ النَّاجِي قَالَ مَنْ كَانَ فِعْلُه لِقَوْلِه مُوَافِقاً فَأَثْبَتَ لَه الشَّهَادَةَ ومَنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُه لِقَوْلِه مُوَافِقاً فَإِنَّمَا ذَلِكَ مُسْتَوْدَعٌ)) [6].

7- عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) يُحَدِّثُ عَنِ النبي (صلى الله عليه وآله) أَنَّه قَالَ فِي كَلَامٍ لَه: ((الْعُلَمَاءُ رَجُلَانِ رَجُلٌ عَالِمٌ آخِذٌ بِعِلْمِه فَهَذَا نَاجٍ، وعَالِمٌ تَارِكٌ لِعِلْمِه فَهَذَا هَالِكٌ وإِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَتَأَذَّوْنَ مِنْ رِيحِ الْعَالِمِ التَّارِكِ لِعِلْمِه، وإِنَّ أَشَدَّ أَهْلِ النَّارِ نَدَامَةً وحَسْرَةً رَجُلٌ دَعَا عَبْداً إِلَى الله فَاسْتَجَابَ لَه وقَبِلَ مِنْه فَأَطَاعَ الله فَأَدْخَلَه الله الْجَنَّةَ وأَدْخَلَ الدَّاعِيَ النَّارَ بِتَرْكِه عِلْمَه واتِّبَاعِه الْهَوَى وطُولِ الأَمَلِ أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وطُولُ الأَمَلِ يُنْسِي الآخِرَةَ)) [7].

قوله(صلى الله عليه وآله): ((الْعُلَمَاءُ رَجُلَانِ: رَجُلٌ عَالِمٌ آخِذٌ بِعِلْمِه فَهَذَا نَاجٍ))، أي: رجل عالم بالمعارف الإلهيّة والأحكام الشرعية من مأخذها، وآخذ بعمله، يعني: عامل بمقتضاه من تهذيب الظاهر والباطن عن الأعمال القبيحة والأخلاق الرذيلة، وتزيينهما بالأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة، فهذا ناج من ألم الفراق، والعقوبات الاُخروية بعد انكشاف الحجب بينه وبين الحقيقة الربانية: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).

قوله(صلى الله عليه وآله): ((وعَالِمٌ تَارِكٌ لِعِلْمِه)) وذلك بعد تدنّس ظاهره بالأعمال الباطلة وتوسّخ باطنه بالأخلاق الفاسدة، واتّباعه لشهواته وملذاته، وركوبه على النفس الأمّارة بالسوء حتى تورده في موارد طلب الدنيا وزخرفها فنجده غليظا على الصلحاء والزهّاد، ممتدحا لحكّام الجور وتعبّده لهم، وبالجملة هو الذي وضع العلم على طرف اللسان ولم يصل أثره إلى القلب وسائر الأركان.

قوله(صلى الله عليه وآله): ((فَهَذَا هَالِكٌ)) لابتلائه بألم الفراق وشربه كأساً مسمومة المذاق، واستماعه (سحقاً) يوم التلاق حين يشاهد ربح العلماء العاملين ونور سيماء المقرّبين، ألا ذلك هو الخسران المبين.

قوله(صلى الله عليه وآله): ((وإِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَتَأَذَّوْنَ مِنْ رِيحِ الْعَالِمِ التَّارِكِ لِعِلْمِه)): التابع للنفس وهواها، وهذا الريح ينشأ إمّا من قبح أفعاله ونتن أعماله، وهذا النتن موجود في الدنيا أيضاً إلّا أنّ الحسة الشامّة القاصرة لا تدركها، والآخرة محلّ بروز الكامنات والأسرار، أو ينشأ من شدّة تعذيبه بالنار لاستحقاقه إيّاها.

فينبغي لمن عقل فوعى أن يعرف فضل الآخرة على الدنيا فيعمل لها، ومعرفة ذلك يستلزم ذكر الموت ودوام ملاحظته وذلك مستلزم للرهبة والعمل لما بعده، فالعالم إذا ترك العمل وآثر الدنيا على الآخرة مع العلم بالتفاضل وسوء عاقبة الركون إلى الدنيا ومتابعة النفس فهو بزيادة التعذيب أحرى وباستحقاق اللوم والعقوبة أجدر وأوْلى، نظير ذلك أنّه لو وقع البصير والأعمى في البئر فهما متشاركان في الهلاك إلّا أنّ البصير أوْلى باللوم والمذمّة.

قوله(صلى الله عليه وآله): ((وإِنَّ أَشَدَّ أَهْلِ النَّارِ نَدَامَةً وحَسْرَةً)): يوم القيامة على التقصير في العمل الموجب للسعادة الاُخروية، والانهماك في الخسران الموجب للشقاوة الأبدية، والحسرة هي شدة التلهّف على الشيء الفائت.

قوله(صلى الله عليه وآله): ((رَجُلٌ دَعَا عَبْداً إِلَى الله فَاسْتَجَابَ لَه وقَبِلَ مِنْه فَأَطَاعَ الله فَأَدْخَلَه الله الْجَنَّةَ)): وأكرمه بنعيمها الآجل بقبوله الحقّ وعمله به.

قوله(صلى الله عليه وآله): ((وأَدْخَلَ الدَّاعِيَ النَّارَ بِتَرْكِه عِلْمَه)): أي بسبب تركه علمه الداعي إلى الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة الباعثة على لقاء الله ورحمته والدخول في سلك المبعدين عن ساحة رحمته ورأفته.

قوله(صلى الله عليه وآله): ((واتِّبَاعِه الْهَوَى)): الهوى هو ميل النفس الأمّارة بالسوء إلى مقتضى طباعها من اللذّات الدنيوية على أنواعها حتى تخرج من الحدود الشرعية وتدخل في مراتع القوّة السبعية والبهيمية.

قوله(صلى الله عليه وآله): ((وطُولِ الأَمَلِ)): لما لا ينبغي أن يمدّ الأمل فيه من المقتنيات الفانية والمشتهيات الزائلة الآنيّة.

قوله(صلى الله عليه وآله): ((أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ)): أي يمنع عن المعرفة والعمل أو عمّا يتبعهما من السعادة التامّة، وذلك لأنّ اتّباع النفس في ميولها الطبيعية والانهماك في لذّاتها الفانية أشدّ جاذب للإنسان عن قصد الحقّ وأعظم صادّ له عن سلوك سبيله جل وعلا، وأفخم باعث على نومه في مهد الدنيا الدنية وانتقاله منها إلى حضيض جهنّم وابتلائه بالعقوبات الأبدية، كما قال سيّد المرسلين(صلى الله عليه وآله): ((ثلاث مهلكات: شحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه)).

قوله(صلى الله عليه وآله): ((وطُولُ الأَمَلِ يُنْسِي الآخِرَةَ)): لأنّ طول توقّع الأمور الدنيوية يوجب نسيان النفس وغفلتها عن الأحوال الأخروية، وهو مستعقب لانمحاء الآخرة وما تصوّر في الذهن منها، وذلك معنى النسيان وبذلك يكون الهلاك الأبدي والشقاء الاُخروي.

مجلة بيوت المتقين العدد (13)

 


[1] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٤٥.

[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٤٥.

[3] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٤4.

[4] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٤4.

[5] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٤4.

[6] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٤5.

[7] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٤4.