الصوفية

التصوّف حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية، تدعو إلى الزهد والتبتّل وشدّة العبادة، وذلك كردة فعل مضادة للانغماس في الترف المعيشي والميوعة، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقاً مميزة معروفة باسم (الصوفية)، ولا شك أن ما تدعوا إليه الصوفية من الزهد والورع والتوبة والرضا هي من أهداف الإسلام التي يحث عليها، والتمسك بها، والعمل من  أجلها، ولكن الصوفية خالفت ما دعا إليه الإسلام، فابتدعت مفاهيماً وسلوكيات مخالفة لما كان عليه سُنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأَهل بيته(عليهم السلام)، فالمتصوفة -بحسب مدّعاهم- يتوخون تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة، لا عن طريق اتّباع الآيات والروايات الدالة عليه سبحانه، ومن ثم تفاقمت بدع الصوفية حتى صارت مأوى كل مبطل وزنديق، وينقسم أهل التصوف إلى عدّة أقسام فمنهم من يؤمن بوحدة الوجود، أي انه لا فرق بين الخالق والمخلوق، ومنهم من يؤمن بأن النبي(صلى الله عليه وآله) هو الله والعياذ به، ومنهم من يقول إن الله تعالى يتحد مع من شاء من أولياءه.

واقتبست الصوفية اسمها من الصوف، نظرا لاختصاص لبس معتنقيها بالصوف، لاعتقادهم أن لبس الصوف يقرّب من الله تعالى لخشونته، وأذيته للجسد، فيؤدي بهم إلى الإحساس بالفقراء والمساكين والمعوزين، وأن طلب العبد إذلال نفسه وإذاقتها ما يؤذيها يقربه من الله تعالى، ويرفع من شأنه، وهذا في حد ذاته بدعة منكرة، قال النبي(صلى الله عليه وآله): «لا رهبانية في الإسلام»[1]، وفي حديث عنه(صلى الله عليه وآله): «ما بال أقوام من أصحابي لا يأكلون اللحم، ولا يشمّون الطيب، ولا يأتون النساء، أما إني آكل اللحم، وأشم الطيب، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»[2]، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ)[3]، فقد كان النبي(صلى الله عليه وآله) يلبس ما تيسر له، ولم يخص الصوف بشيء من الفضل، فاستحباب لبسه تشبّه برهبان النصارى، وكان أيضا يأكل ما تيسر له من الطعام الطيب، ويلبس الحُلل الجميلة، ويُحب العسل، وما طاب من الطعام والشراب.

ومن طوائفهم: القادرية، والرفاعية، والعدوية، والبيانية، والجشتية، والشاذلية، وغيرها الكثير، ولا يكاد يحصيها أحد، وكل طائفة تجمع حولها المريدين، وتسمى باسم مؤسسها، ويجمعون بذلك الأوقاف المتبرع بها للطائفة، والغريب في الأمر أن عائلة مؤسس الطائفة تتوارث تلك الأوقاف، فيملكونها بسبب أن جدهم كان مؤسساً للطائفة، وحتى أنهم قد يتبرّكون بذريته ولو كانوا فُسّاقاً، وفي عقيدتهم تعدّد طرق التعبّد، وهي إن كثرت واختلفت لا يضر في الدين شيئاً، لأنهم كما يزعمون، الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، فلا ضير في ذلك، زاعمين أن ذلك كله من البدعة الحسنة، وغايتها التقرب إلى الله تعالى، وكل طريقة تختلق لها أذكاراً وأسلوباً لأدائها تختلف عن الأخرى، وتحاول أن تخترع وتبتدع ما لم يسبقها أحد إليه، وكل منهم يدّعي أن طريقته هي الأمثل والأفضل عن غيرها، فهذه هي الصوفية وهذه تعاليمها.

           المصادر:

كتاب حقائق عن التصوف لعبد القادر عيسى، كتاب الانتصار لطريق الصوفية لمحمد صديق الغماري، كتاب مدخل إلى التصوف الإسلامي د. أبو الوفا التفتازاني، كتاب طبقات الصوفية لأبي عبد الرحمن السلمي، كتاب شطحات الصوفية لعبد الرحمن البدوي، التعرف على مذهب أهل التصوف للكلاباذي، حقائق عن التصوف للشيخ عبد القادر عيسى.

المصدر: مجلة اليقين العدد (43)

 


[1] البحار للمجلسي: ج70، ص114.

[2] الكافي للكليني: ج5، ص496.

[3] سورة المائدة: 87.