وبعد رحيل أُمها الزهراء (عليها السلام) عن بيت أَمير المؤمنين (عليه السلام) عاشت السيّدة زينب (عليها السلام) رساليّة أَبيها، عندما انفتح على الّذين تقدّموه بالخلافة، لا خوفاً منهم، ولا لمصلحة شخصيّة يرجوها، بل حرصاً على بقاء الإسلام عزيزاً، وعدم تعرّضه للخطر من الأعداء الّذين کانوا يتربّصون به شرّاً، رغم تأکيد حقّه في الخلافة، وقال: (لأُسلمنّ ما سلمت أُمور المسلمين، ولم يکن فيها جورٌ إِلا عليَّ خاصّةً) [1].
ورأت کيف اجتمع على أبيها القاسطون والمارقون والنّاکثون، لأنّه أَصرّ على موقفه الرّساليّ، ورفض منطق التّسويات والسّکوت على الانحراف على حساب رسالته.
وقد تمثّلت لها رساليّة أَبيها عليّ(عليه السلام) عندما جيء به صريعاً، والدّماء تسيل من رأسه، والسُّمّ يسري في بدنه، والحياة تذوب في جسده، وفي هذا الوقت، يلتفت إلى الّذين من حوله ويقول: (سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، فَلأَنَا بِطُرُقِ السَّمَاءِ أَعْلَمُ مِنِّي بِطُرُقِ الأَرْضِ)[2]، وکان يقول: (إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً) -وأَشَارَ بِيَدِه إِلَى صَدْرِه-[3]، وهي في ذلك کلّه لم تفارق والدها حتى أَغمض عينيه شهيداً.
وعاشت السيّدة زينب رساليَّة أخيها الحسن(عليه السلام)، سيّد شباب أَهل الجنَّة، الّذي حرص على أَن يحافظ على البقيَّة الباقية من المؤمنين الخلَّص، فلم يغامر بهم بالدّخول في معرکةٍ مع معاوية، الّذي أَرسلَ جيشاً لمنع الإِمام الحسن(عليه السلام) من أَن يتسلَّم زمام الخلافة بعد أَبيه، حيث عرف أَنّ هذه المعرکة خاسرة مع جيشه المتعَب، والّذي أَتعب والده، حتى قال عنه: (لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ، ولَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً، والله جَرَّتْ نَدَماً، وأَعْقَبَتْ سَدَماً)[4]، ولذلك کان صلحه مع معاوية، وتحمّل لأَجل ذلک الإِساءات الّتي تعرّض لها حتى من بعض أَصحابه، وهو کان يفکّر في حجم مستقبل الإِسلام، لا في حجم تلک المرحلة، وکان يخطّط لمرحلةٍ سيقوم الإِمام الحسين(عليه السلام) بتحمّل مسؤوليَّتها.