تجهيز الإمام المعصوم (عليه السلام)

وردت رويات كثير تبيّن أنّه لا يلي تجهيز المعصوم إلّا إمام معصوم مثله، وليس هناك شك في أنّ الإمام علي(عليه السلام) هو مَن تولى تجهيز رسول الله(صلى الله عليه وآله) عند جميع المسلمين وعلى مرأى ومسمع منهم، وكذلك تولى تجهيز سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(عليها السلام) وهكذا فالإمام اللاحق يقوم بتجهيز الإمام السابق، ومن أجل الاختصار نكتفي بذكر بعض الروايات الدالة على ذلك، ومِن هذه الروايات ما رواه الكليني بسندٍ معتبر عن المفضَّل بن عمر عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «قلتُ لأبي عبد الله(عليه السلام) مَن غسَّل فاطمة؟ قال: ذاك أميرُ المؤمنين (عليه السلام). وكأنِّي استعظمتُ ذلك من قولِه، فقال: كأنَّك ضقت بما أخبرتُك به؟ فقلتُ: قد كان ذلك جُعِلتُ فداك. فقال: لا تضيقنَّ فإنّها صدِّيقة ولم يكن يُغسِّلها إلّا صدِّيق، أَما علمتَ أنَّ مريم لم يُغسِّلها إلّا عيسى»[1].

ومنها: ما رواه الشيخُ الكليني عن أحمد بن عمر الحلال عن الرضا (عليه السلام) قال: «قلتُ له: إنَّهم يُحاجّونا يقولون: إنَّ الإمام لا يُغسِّله إلّا إمام. قال: فقال (عليه السلام): فما يدريُهم مَن غسَّله، فما قلتَ لهم؟ فقلتُ: جُعلت فداك قلتُ لهم: إنْ قال إنَّه غسَّله تحت عرش ربّي فقد صدق، وإنْ قال: غسَّله في تخوم الأرض فقد صدق. قال (عليه السلام): لا هكذا. فقلت: فما أقول لهم؟ قال: قل لهم: إنِّي غسلتُه. فقلتُ: أقول لهم إنّك غسّلته؟ فقال: نعم»[2]. هذه الرواية تتكلّم عن اعتراض الواقفة على أحد الشيعة ـ القائلين بإمامة الرضا (عليه السلام) بعد أبيه ـ من كون الإمام الرضا(عليه السلام) ليس هو الإمام بعد أبيه، ولو كان كذلك لقام بتجهيز أبيه، وكيف يكون له ذلك وهو في المدينة وأبوه في بغداد؟! فجاء هذا الرجل إلى الإمام يسأله عن ذلك، فأجابه الإمام الرضا (عليه السلام) بأنّه هو مَن قام بتجهيز أبيه.

فمسألة تجهيز الإمام من قِبل إمام بعده مركوزة في أذهان الشيعة والإمام (عليه السلام) اقرّ هذا الارتكاز.

ومنها: ما رُوي مسنداً في إثبات الوصية وغيره عن أبي بصير قال: قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام):
«فيما أوصاني به أبي قال: يا بنيَّ إذا أنا متُّ فلا يُغسِّلني أحدٌ غيرك فإنَّ الإمام لا يُغسِّله إلّا إمام»[3].

وحتى الإمام الحسين (عليه السلام) رغم ما مرّ به الإمام السجاد (عليه السلام) من أسر وسجن ولكنّه تولى دفن جسد أبيه وعمّه وإخوته وأصحاب أبيه (رضوان الله عليهم) وينقل لنا ذلك السيّد المقرّم بقوله: (ولمّا أقبل السجّاد (عليه السلام) وجد بني أسد مجتمعين عند القتلى متحيّرين لا يدرون ما يصنعون، ولم يهتدوا إلى معرفتهم، وقد فرّق القوم بين رؤوسهم وأبدانهم، وربما يسألون من أهلهم وعشيرتهم! فأخبرهم(عليه السلام) عمّا جاء إليه من مواراة هذه الجسوم الطاهرة، وأوقفهم على أسمائهم، كما عرَّفهم بالهاشميين من الأصحاب، ثمّ مشى الإمام زين العابدين(عليه السلام) إلى جسد أبيه واعتنقه وبكى بكاءً عالياً، وأتى إلى موضع القبر ورفع قليلاً من التراب فبان قبر محفور وضريح مشقوق، فبسط كفّيه تحت ظهره وقال: (بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، صدق الله ورسوله، ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلّا بالله العظيم)، وأنزله وحده لم يشاركه بنو أسد فيه، وقال لهم: (إنّ معي مَن يعينني)، ولمّا أقرّه في لحده وضع خدّه على منحره الشريف قائلاً: طوبى لأرض تضمّنت جسدك الطاهر، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة، والآخرة بنورك مشرقة، أمّا الليل فمسهّد، والحزن سرمد، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي فيها أنت مُقيم، وعليك منّي السلام يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته.

وكتب على القبر: هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي قتلوه عطشاناً غريباً.

ثمّ مشى إلى عمّه العباس (عليه السلام) وشق له ضريحاً وأنزله وحده كما فعل بأبيه الشهيد (عليه السلام)، وقال لبني أسد: (إنّ معي مَن يعينني)! نعم ترك مساغاً لبني أسد بمشاركته في مواراة الشهداء، وعيّن لهم موضعين وأمرهم أن يحفروا حفرتين، ووضع في الأُولى بني هاشم، وفي الثانية الأصحاب.

وبعدما أكمل الإمام (عليه السلام) دفن الأجساد الطاهرة، عاد إلى الكوفة والتحق بركب السبايا[4].

إذاً، من خلال الروايات المتقدّمة يتبيّن أنّ مسألة تجهيز الإمام من قِبل الإمام اللاحق له مسألة يعتقد بها عموم الشيعة الاثني عشرية.

مجلة ولاء الشباب العدد (67)

 


[1] الوافي، الفيض الكاشاني: ج3، ص746.

[2] الكافي، الكليني: ج1، ص385.

[3] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ج3، ص351.

[4] ينظر: مقتل الحسين، المقرّم: ص320.