اسمه ونسبه: أبو عبد الله، جعفر بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب.
وقد روي إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سمّاه باسم أخيه جعفر الطيار؛ لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان شديد المحبة له[1].
وقال أهل السير: لما قُتل أخوة العباس (عليه السلام) لأبيه وأمّه عبد الله وعثمان دعى جعفراً فقال له: تقدم إلى الحرب حتى أراك قتيلاً كأخويك فاحتسبك كما احتسبتهما فانه لا ولد لكم، فتقدم وشدّ على الأعداء يضرب فيهم بسيفه وهو يقول:
إني أنا جعفر ذو المعالي ابن علي الخير ذو النوال
ذاك الوصي ذو الندى والوالي حسبي بعمي شرفاً وخالي
أحمي حسينا ذي الندى المفضال
فشدّ عليه خولي بن يزيد الأصبحي فأصاب شقيقته أو عينيه فقتله.
وقال أبو مخنف: بل شدّ عليه هانىء بن ثبيت الحضرمي الذي قتل أخاه فقتله[2].
قال الإمام المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) في زيارة الناحية:
«السلام على جعفر بن أمير المؤمنين، الصابر بنفسه محتسباً، والنائي عن الأوطان مغترباً، المستسلم للقتال، المستقدم للنزال، المكثور بالرجال، لعن الله قاتله هانىء بن ثبيت الحضرمي»[3].
ويظهر من عبارات الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من الفضائل لجعفر بن أمير المؤمنين (عليه السلام) ما يميزه عمن سواه من الشهداء، فقوله(عليه السلام)، وبأي معنى أخذ الصبر سواء كان الصبر على مكابدة الأهوال ومكافحة الأبطال، ففي ذلك غاية المدح بالفروسية.
وإن كان الصبر على محبته لإمامه الحسين (عليه السلام) وموالاته له وثباته وعزمه أن يفديه بنفسه ويقيد بمهجته ففي ذلك غاية المدح من الوجهتين: البصيرة والمعرفة بحق الإمام المفترض الطاعة، وهذا دليل العلم والفقاهة، ومن حب المواسات له بالنفس التأسي به في جميع الحالات، فهذا دليل على أنّه في غاية الكمال ونهاية الأدب.
وإن أريد بالصبر الصبر على معاناة الأمور الشاقة من الجوع والعطش لأنهم حصروا في فلاة جرداء قاحلة، وبادية قفراء قاحلة، قد ملك عليهم الأعداء شريعة الفرات، وقطعوا عليهم طريق الميرة، وصدوا القوافل التي تحمل الأقوات إليهم فعطشوا وجاعوا، وفي تخصيص جعفر بالصبر على هذا لا يخفى ما فيه من مزيد الفضل، والإشارة إلى ما فيه من الايثار والتضحية والتحمل والمعاناة.
وأما قوله(عجل الله تعالى فرجه الشريف): «النائي عن الأوطان» مع أنّ كلّ من كان مع الحسين(عليه السلام) كان نائياً عن الاوطان وجميعهم قد اغتربوا، فما معنى تخصيص جعفر؟!
فالظاهر ـ والله العالم ـ أنّه إنّما خصّ بذلك؛ لأنّه كان بعد شاب صغير لم يذق طعم الغربة ولم يجربها من قبل، سيما أنّه كان صاحب نضارة ورونق جميل، قد تربى في الحضارة، لم يقوى على لفحات السموم ومعاناة شعل الهجير؛ لأنه أصغر اخوته، ومن المعلوم أن صغير الأولاد يكون في الموضع الأتم من الشفقة في نظر الأمّ الشفيقة، فانّها تبره كثيراً وتتعاهده بالنظافة والتعطير وترجيل الشعر ولذيذ المطعم وشهي المشرب، فإذا كان نائياً عن الأوطان -والحال هذه- فانه يلاقي عنتاً، ويجابه شدة شديدة، ويعاني صعوبة صعبة، ومشقة شاقة، سيمّا من فقد بر الوالدة المشفقة وعطفها وحدبها عليه والطافها.
وبقية الفقرة تصف ثبات جعفر الأكبر في ساحات الوغى، وتذكر أنهم ما قتلوه إلّا تكاثروا عليه واحتوشوه من كلّ مكان، والكثرة مهما كانت فان لها الغلبة.
حكى جعفر في كربلا بأس جعفرا كما قد حكى بالضرب والده القرما
وأدى حقوق المجد والفخر من حكى بأفعاله الغر الأب القرم والعما[4].
مجلة بيوت المتقين العدد (90)