تبنّى بعض المخالفين شبهة عدم علم الأئمة (عليهم السلام) بالأمور لا سيما الغيبيات منها، وذلك لجهلهم بالتقيّة التي انتهجها الأئمة (عليهم السلام) في حياتهم العملية إبّان حكم بني أميّة وبني العباس ومواليهم، وحتى الحذر من المسلمين المخالفين وموروثهم الديني، فلا يصدر منهم (عليهم السلام) غالبا ما يتحدى نهج أولئك، وفي تلك الروايات لا يترك الأئمة (عليهم السلام) الأمر مبهما عن شيعتهم بل يبيّنوا لهم حقيقة الأمر منها فيحققوا غايتهم من عدم تعرضهم وأصحابهم لجور الأعداء والمتربصين.
ومن هذه الروايات رواية سدير بن حكيم عندما كان هو وبعض الموالين والمناوئين في مجلس الإمام الصادق (عليه السلام) فخرج إليهم وهو مغضب، فلمّا أخذ مجلسه بينهم قال: «يَا عَجَباً لِأَقْوَامٍ يَزْعُمُونَ أَنَّا نَعْلَمُ الْغَيْبَ، لاَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ؛ لَقَدْ هَمَمْتُ بِضَرْبِ جَارِيَتِي فُلَانَةَ، فَهَرَبَتْ مِنِّي، فَمَا عَلِمْتُ فِي أَيِّ بُيُوتِ الدَّارِ هِيَ؟»[1].
فبهت الموالون الحاضرون من قول الإمام (عليه السلام) وعندما صار الإمام (عليه السلام) في منزله دخل سدير وبعض الموالين عليه بسبب ما سمعوه منه، فقال (عليه السلام): «يَا سَدِيرُ، قَرَأْتَ الْقُرْآنَ؟» قُلْتُ: بَلى. قَالَ: «فَهَلْ وَجَدْتَ فِيمَا قَرَأْتَ مِنْ كِتَابِ اللهِ: (قالَ الَّذِى عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)؟» قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَدْ قَرَأْتُهُ. قَالَ: «فَهَلْ عَرَفْتَ الرَّجُلَ؟ وهَلْ عَلِمْتَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ؟» قَالَ: قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِهِ. قَالَ: «قَدْرُ قَطْرَةٍ مِنَ الْمَاءِ فِي الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ، فَمَا يَكُونُ ذلِكَ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟» قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا أَقَلَّ هذَا! فَقَالَ: «يَا سَدِيرُ، مَا أَكْثَرَ هذَا أَنْ يَنْسُبَهُ الله تَعَالى إِلَى الْعِلْمِ الَّذِي أُخْبِرُكَ بِهِ. يَا سَدِيرُ، فَهَلْ وَجَدْتَ فِيمَا قَرَأْتَ مِنْ كِتَابِ اللهِ أَيْضاً: (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ ومَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)؟». قَالَ: قُلْتُ: قَدْ قَرَأْتُهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ. قَالَ: «(فَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلُّهُ أَفْهَمُ، أَمْ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ بَعْضُهُ)؟» قُلْتُ: لَا، بَلْ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلُّهُ، قَالَ: فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ، وقَالَ: «عِلْمُ الْكِتَابِ واللهِ كُلُّهُ عِنْدَنَا، عِلْمُ الْكِتَابِ واللهِ كُلُّهُ عِنْدَنَا»[2].
المصدر: مجلة اليقين، العدد (57)، الصفحة (10).