لماذا العجلة

روي عن الإِمام الصادق (عليه السلام): «إِنّما هَلَك النّاسُ مِن استعجالِهم لهذا الأَمرِ إِنَّ الله عز وجل لا يعجَلُ لعجلةِ العبادِ إِنَّ لهذا الأَمر غايةً يَنتهي إِليها، فلو قَدْ بَلغوها لم يَستقدموا سَاعةً ولم يَسْتأخِرُوا»[1].

عندما يقرأ الإِنسان قصةً فإِنهُ يسرع في قراءتها ليعرف نهايتها، وهذه طبيعةٌ من طِباعِ الإِنسانِ، يُريد أَنْ يَرى نتائِج الأَحداثِ بسرعة، لذا فالذي يؤمنُ بالظُّهورِ وبدولةِ صاحبِ الزَّمانِ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فإِنهُ يَحلم بهذهِ الدَّولة، وينتظرُ ملءَ الأَرضِ بالفضيلة، ولهذا الأَمل فإِنّه يَستعجل ذلك الأَمر.

ولعلَّ صفة الاستعجال هنا ترجع إِلى ما يتعرّض له الإِنسان من الظلم والاضطهاد، إِذ لا يرى مَفرّاً من جور الجائرين باستعجال الظهور، إِذا هي صفة تُفرضها الظروف التي يعيشها الإِنسان، خصوصاً عندما لا يفهم أَسبابَ الغَيبة وعِلَلها.

إِنّ هذه العجلة لها نتائج وخيمة، منها: تصديق الادعاءات الكاذبة، إِذ يستغل المنحرفون تلك الحالة التي يعيشها الكثير من المجتمعات، نتيجةَ ضغطِ الظُّلم المستمر فيدّعون بالمهدوية، وهذا يجذب إِليهم العديد من البسطاء والمستعجلين.

نجد أنَّ بعض الروايات تشير إِلى أَمر مهم، وهو الصبر، جاء عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) أَنهُ كان بين أَصحابه وقال: «سيأتي قومٌ من بعدِكم، الرَّجلُ الواحدُ منهم له أَجر خمسينَ منكم، قالوا يَا رسولَ اللهِ نحن كُنا معك ببدر وأُحد وحنين، ونزل فينا القرآن، فقال(صلى الله عليه وآله): إِنكم لو تَحملِوا لما حملوا لم تَصْبِروا صَبْرَهُم»[2]، فالمؤمن في امتحان شديد في هذه المسألة، وليس له مفاز إِلا الصبر، فهو العلاج الذي وصفته الروايات لهذا الأَمر الخطير الذي قد يزل به الإِنسان من الناحية الفكرية.

ومع الصبر يجب أَن تكون هناك معرفة صحيحة لدور الإمام (عليه السلام) في غيبته، حتى لا يستعجل المؤمنُ ظهورَهُ، فيجب أَنْ يعرف الإِنسانُ الإِمامَ معرفةً صحيحة، ويقرّ بطريقة عملية بالفرق بين مفهوم ليس بموجود وبين موجود إِلاّ أننا لا نراه، هناك فرق بين الأَمرين، ونحن المؤمنون به (عليه السلام) نقول: إِنَّ الإِمام حيٌّ موجودٌ إِلا إِننا لا نراه، وهو يرانا، وله دورٌ، ولهُ وظائفٌ يقومُ بها، فعدم الرؤية شيءٌ، وعدم الوجود شيءٌ آخر، هذا هو معتقدنا.

لكن عندما نغفل عن هذه المسألة فإِننا حينئذٍ نقع في شبهات مهلكة، ولذا نجد في الرواية عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) عندما يسأله جابر (رضي الله عنه) عن ذلك: هل ينتفع الشيعة بالقائم في غيبته قال(صلى الله عليه وآله): «إِي والذي بعثني بالنبوة إِنّهم ينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس، وإِنْ جلّلها السحابُ»[3].

إِذن الشمس يهتدي الآخرون بنورها وبضوئها، والسحاب لا يمنع النهار، ولا يمنع أَنْ ينتشر ذلك الضوء، بمثلِ هذا يجب أَنْ نتيقّن بأَنّ هناك إِماماً، وهذا الإِمام نحن ننتفع به، وله دور مهم في حياتنا.

والمعرفة بهذه الطريقة تولّد الاطمئنان في النفوس، وهو ما يعطينا الصبر والقوة على تحمّل المشاق والصعوبات، كذلك يجب أَنْ تكون معرفتنا بالإِمام (عليه السلام) معرفة يقينية صحيحة، فبذلك نتجاوز هذه المحنة ونكون من المنتظرين لفرجه (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

كل هذا لا ينافي الدعاء لله سبحانه بتعجيل الظهور المبارك لصاحب الزمان أَرواحنا له الفداء، فالصبر والدعاء أَبرز مصاديق العبادة والتسليم لله تعالى.

المصدر: مجلة اليقين العدد (25)

 


[1] الغيبة للنعماني: ج1، ص306.

[2] الغيبة، الشيخ الطوسي: ص291.

[3] إكمال الدين: ج١، ص٢٥٣.