أحمد بن إسحاق الأشعري القمي (رضي الله عنه)

أحمد بن إسحاق الأشعري القمي هو أحد رواة الشيعة العظماء في القرن الثالث الهجري، أدرك أربعة من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)؛ إذ كان من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي (عليهما السلام)، وكان وكيل الإمام العسكري (عليه السلام) في قم، وهو أيضاً من الذين شاهدوا الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وهو صغير، وقيل: إنّه عمل في مدة الغيبة الصغرى كمساعد للنائب الأول من النواب الأربعة.

بنى أحمد بن إسحاق مسجداً في مدينة قُمِ المقدّسة بأمر الإمام العسكري (عليه السلام)، ويُعرف اليوم بمسجد الإمام الحسن العسكري(عليه السلام).

يعتبر الأشعري القمي من الشخصيات المهمّة في زمن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) ومن المقربين منه، وقد كان من الذين اختصهم الإمام(عليه السلام) برؤية الإمام الحجة(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وهذا الأمر بحدِّ ذاته كاشف عن مدى ثقة الإمام العسكري(عليه السلام) بهذه الشخصية العظيمة؛ لإنّ الوضع السياسي في عصر الإمام العسكري(عليه السلام) كان خطيراً وضاغطاً، ودرجة التقيّة كانت عالية، فكان الحكم العباسي الظالم قد بطش بشيعة أهل البيت(عليهم السلام) أيما بطش وظلم، فكانت الأوضاع خطيرة وحساسة للغاية، تقتضي أن يختفي أمر خليفة الإمام العسكري(عليه السلام)، بحيث لم يطلع على وجوده أحد إلاّ خواصّ الإِمام(عليه السلام) وبعض أصحابه الموثوق بهم! فتذكر لنا الروايات أن أحمد بن إسحاق سافر إلى سامراء؛ ليسأل الإمام العسكري (عليه السلام) عن الخلف من بعده، فعندما زار الإمام (عليه السلام) ابتدأه قائلاً: «يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُخَلِّ الْأَرْضَ مُنْذُ خَلَقَ آدَمَ(عليه السلام)، وَلَا يُخَلِّيهَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ مِنْ حُجَّةٍ لِلهِ عَلَى خَلْقِه».

فقال أحمد بن إسحاق: مَنْ هو الإمام بعدك؟ فدخل الإمام (عليه السلام) بيته، ثمّ خرج، وقد احتضن صبيّاً يناهز عمره ثلاث سنين، فقال له(عليه السلام): «يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ لَوْ لَا كَرَامَتُكَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَى حُجَجِهِ مَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ ابْنِي هَذَا، إِنَّهُ سَمِيُّ رَسُولِ اللهِ، وَكَنِيُّهُ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»[1].

ومسبقاً كان قد أخبره الإمام (عليه السلام) في رسالة كتبها إليه بولادة ولده الحجّة (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وأوصاه بإخفاء أمره، وهذه في الواقع يؤشر على أمرين:

أحدهما: منزلة أحمد بن إسحاق وكرامته عند الله تعالى وعند الإمام العسكري (عليه السلام) بل عند الحجّة (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

ثانيهما: تبيان صدقه ووثاقته عند الإمام (عليه السلام) وعند الشيعة.

المصدر: مجلة اليقين العدد (56)، الصفحة (11).

 


[1] كمال الدين، الصدوق: ج 2، ص434.