الولاية: هي سلطنة التصرف في شؤون التكوين والتشريع، وقد وهبها الله تعالى للنبيِّ والأَئمة الهداة (عليهم السلام)، لذا فهي ليست ولاية مستقلة منقطعة، بل هي متفرعة عن ولاية الله (عزّ وجل) كما سيأتي في المزيد من البيان.
الولاية التكوينية: معناها حق الطاعة في مجال التكوين، وتسخير الأشياء والموجودات لإرادة صاحب هذه الولاية، والذي يتمكن بسببها من التصرف في الموجودات الخارجية.
ولا يمنع العقل ولا الشرع من أن يجعل الله سبحانه قانوناً أو سبباً في طول إرادته، وهذا السبب يكون مؤثراً في الأشياء، نظير قدرة النار على الحرارة والإحراق، وقدرة المطر على الإنبات، وقدرة الهواء على نقل اللقاح، وقدرة الجاذبية على الإمساك بالأشياء، فكذلك لمصالح وحِكَمٍ يَهَبُ اللهُ تعالى السلطةَ في التصرف في الأَشياء لأوليائه المعصومين (صلوات الله عليهم)، بل نستطيع القول إن الولاية التكوينية حاصلة حتى لغير المعصوم في المرتبة التي تقتضيها الحكمة والمصلحة، فإنه تعالى جعل الإنسان ولياً وقادراً على التصرف تكويناً في شؤونه الخاصة من القيام والقعود والحركة والسكون وما أشبه ذلك، فهذه مرتبة من مراتب الولاية التكوينية
أما الولاية التشريعية: فمعناها أن النبي(صلى الله عليه وآله)أو الإمام(عليه السلام) يملكان حق التشريع، والقدرة على بيان الحكم الشرعي الواقعي الذي يريده الله تعالى، أي: إن صاحب الولاية له أَن يَأْمُر ويَنهي، وعلى الآخرين أَن يُطيعوه، ويمتثلوا أَوامرَه، ويجتنبوا نواهيه، ولازم ذلك أن للنبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) حقَّ الطاعةِ على العباد.
وعليه تكون إرادة النبي(صلى الله عليه وآله) مقدمة على إرادات غيره من المؤمنين، أي: أن المؤمن إذا أراد أن يعمل عملاً، ومنعه رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيجب عليه ترك ذلك العمل، وإذا لم يرغب المؤمن بفعل من الأَفعال وامتنع عنه، لكنَّ النبيَّ(صلى الله عليه وآله) أمره أن يفعله، عندئذٍ يجب عليه أَن يمتثله، ويقدم إرادة الرسول(صلى الله عليه وآله)على إرادته، وهكذا في جميع الأفعال والتروك سواء في الحرب أو في السلم، وسواء في أخذ المال أو إعطائه، وسواء في النكاح أو الطلاق، أو سائر الشؤون الحياتية، ولازم ذلك أن للنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) حق الطاعة على العباد.
الشواهد القرآنية على الولايتين:
أما الولاية التشريعية: فهي من المفاهيم التي وردت في القرآن الكريم، قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[1]، فالآية تدل بوضوح على ثبوت السلطنة في التصرف بشؤون المؤمنين للنبي(صلى الله عليه وآله)، والأئمة من بعده كما قال المفسرون.
وأمّا الولاية التكوينية: فهو قوله تعالى حاكياً عن النبي عيسى بن مريم(عليه السلام): (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[2]، فالخلق، والإبراء، والإِحياء، كلها تصرفات وسلطنة الولاية التكوينية، كما منح اللهُ آصف بن برخيا الولاية التكوينية، فأحضرَ بها عرش بلقيس من مدينة سبأٍ إلى مجلس سليمان النبي(عليه السلام).
مجلة اليقين العدد (24)