ورد عن النَّبي الأَكرم (صلى الله عليه وآله) أَنه قال: «أَعجبُ النَّاسِ إِيماناً، وأَعظمهم يَقيناً، قومٌ يكونون في آخرِ الزَّمان، لم يَلْحقُوا النَّبيَّ، وحُجِبَ عنهم الحُجّةُ فآمنوا بِسوادٍ على بَيَاضٍ»[1]، فإِنهُ (صلى الله عليه وآله) وصف حال المؤمنين في غيبةِ إِمام الزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وَحَجْبهِ عنهم بأَنهم أَصحاب الإِيمان القوي، واليقين العظيم.
وقد اهتم الأَئمة (عليهم السلام) بالمؤمنين في زمان الغيبة اهتماماً كبيراً، وأَشفقوا عليهم، وأَشاروا إِلى كونهم في اختبار كبير، بسبب فقدان أَئمتهم وسادتهم، فقد جاء عن مولانا الإِمام الباقر (عليه السلام) قال:
«إِنَّ أقْرَبَ الناسِ إلى اللهِ (عزَّ وجلَّ) وَأَعْلَمَهُمْ بِهِ وَأرْأَفَهُم بالناسِ محمدٌ(صلى الله عليه وآله) والأئمةُ(عليهم السلام)، فادْخُلُوا أينَ دَخَلُوا، وَفَارِقُوا مَنْ فارَقُوا - عَنَى بِذَلِكَ حُسَيْناً وَوُلْدَه(عليهم السلام) - فإنَّ الحقَّ فيهِمْ، وَهُمُ الأوصِياءُ، وَمِنْهُمُ الأَئمة، فأَيْنَما رَأَيْتُموهُم فاتَّبِعوهُمْ، وَإِنْ أَصْبَحْتُم يوماً لا تَرَوْنَ مِنْهُم أَحداً فاستَغيثوا بالله (عزَّ وجلَّ)، وانظُروا السُّنَّةَ التي كُنتُم علَيْها واتَّبِعوها، وَأَحِبُّوا مَنْ كُنتُم تُحِبّونَ، وأَبْغِضُوا مَنْ كُنتُم تُبْغِضُونَ، فما أَسرَعَ ما يأتيكُمُ الفرَجُ»[2].
وفي فترة غياب الأَئمة (عليهم السلام) عن المؤمنين تمرُّ عليهم فتن وكربات كثيرة، تستدعي من المؤمنين مواقف وتكاليف شرعية، وخصوصاً في عصر غيبة المهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
وبجملة واحدة: إِن عموم تكاليفنا في زمن الغيبة الكبرى تبتني على تركِ ما لا يقين لنا بصحته، والتثبّت في كل أَمر مشكوك ورد عن غير أَهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)، لأَنهم باب الله الذي منه يؤتى، وهم سبيلهُ ومفتاح رضاه، فما جاء عنهم (عليهم السلام) يكون هو المعتمد، وما جاء عن غيرهم أَو عنهم - وقد تلاعبت بمضمونه الأَهواء- فهو مردودٌ، ولا قبول له.
ويمكن إِجمال التكاليف المهمة للمنتظرين بالنقاط التالية:
أَولاً: معرفة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومعرفة أدبه، وأخلاقه، وخصائصه، والعلامات الحتمية للظهور المبارك، حتى لا ينخدع المكلف بالحركات الضالّة والمضلة التي تدعي الوصل بالإمام (عليه السلام).
ثانياً: انتظار الفرج، فعن النبي (صلى الله عليه وآله): «اَفْضَلُ اَعْمالِ اُمَّتِی اِنتظارُ الفَرَجِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»[3].
وثالثاً: تحبيبه إلى الناس، وترك كل ما يبغض الناس بالإمام (عليه السلام).
رابعاً: المداومة على الدعاء له (عليه السلام)، والتصدق عنه، والصلاة والزيارة له (عليه السلام)، وإهداء ثواب الختمات القرآنية له(عليه السلام).
وينبغي على المنتظرين إدخال السرور عليه (عليه السلام)، ولا يؤذوه بأي فعل أو قول يمكن أن يتسبب في ذلك.
إِن هذا الولاء العملي للأَئمة(عليهم السلام) هو عين الطاعة والانقياد إِلى إِرادة الباري عز وجل، والتأسي بأَوليائه، المتمثلة بعدم الدخول في أَي ممارسة لا يحصل الاطمئنان القلبي أَنها في رضا أَهل البيت(عليهم السلام)، سواء كانت من النشاطات الفردية أَو الاجتماعية أَو العبادية أَو غيرها، وهو جانب سلوكي يعتبر من التكاليف المحورية للمؤمنين في عصر غيبة الإِمام(عليه السلام)، وهو محض الولاء له، فإِن الأَئمة(عليهم السلام) هم خلفاء الله في أَرضه وأَمناء وحيه، وهبهم الله تعالى العلم بمصالح عباده، فهم حقائق الأَشياء، ولا يمكن أَن يتحايل عليهم أَحد بحركة أَو شعار ضال أَو منحرف مهما كان.
فمن هنا جاء التكليف العملي للمؤمنين من النبي (صلى الله عليه وآله) في صدر الحديث: «إِن أَقرب الناس إِلى الله عز وجل وأَعلمهم به، وأرأفهم بالناس محمد(صلى الله عليه وآله) والأَئمة(عليهم السلام)، فادخلوا أَين دخلوا، وفارقوا من فارقوا... فإِن الحق فيهم وهم الأَوصياء.. فأينما رأيتموه فاتبعوهم».
المصدر: مجلة اليقين العدد (27)