هناك قضية أضحت موجودة اليوم في واقعنا، فأينما توجهت، ترى من يمارس العنف اللفظي والسلوكي من التمادي في الانفعال والسباب وكيل الشتائم، إلى الانتقال السريع إلى استعمال اليد والعنف.
وليس العنف بحيزه اللفظي مقتصراً على العلاقة بين الناس وبعض الجيران والأصحاب، وحتى الأرحام في العالم الواقعي، بل برز بقوة في العالم الافتراضي، وما ينشر في فضائه من سباب وشتائم وخروج عن الحد المألوف من القول، وصولاً إلى التعنيف الشديد.
عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إياكم وما يعتذر منه فان المؤمن لايسئ ولايعتذر، والمنافق يسئ كل يوم ويعتذر منه)[1].
وعن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عزوجل: (..وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً..) قال (عليه السلام): (قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم فان الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين والفاحش المتفحش والسائل الملحف، ويحب الحيي الحلم العفيف المتعفف)[2].
حالاتٌ من العنف قد تصل إلى ارتكاب جرائم قتل تسجلها أرقام المؤسَّسات المعنية، أفراد وجهات يغلظون في معاملاتهم وسلوكيّاتهم، ولا يعطون أنفسهم فرصة في الانضباط والتفاهم والعمل بمبدأ التسامح الذي يغيب كثيراً عن معظم ساحات الناس في أماكن العمل، وفي أماكن الدراسة والأماكن العامة، وفي المنازل والشوارع والأسواق.
هذه القساوة بين الناس في المعاملة، أفضت إلى القطيعة والخصام والعداوة والتنافر بين فئات المجتمع، فيما المطلوب أن يتقارب الناس ويتفاهموا، ويقصروا المسافات بينهم، ويخلقوا أجواء مريحة عنوانها التسامح والتفهّم، ولغة الاحترام والتقدير.
لا يجوز والحال هذه، أنَّ يبيح المرء لنفسه التفلت من كل القيود والموانع والالتزامات الأخلاقية والإنسانية في العلاقات والمعاملات، فيعمد إلى قذف الآخرين بالنعوت السلبية، وإلى التخوين والعنف الكلامي، وصولاً إلى العنف السلوكي المؤذي؛ لأنَّ خطورة ذلك تطال المجتمع بأسره، والحياة كلها، وتهدم أسس المجتمع وبنيانه، التي لا تقوم إلا على التلاحم والتقارب واحترام الآخرين ومشاعرهم وآراءهم وتوجهاتهم الشخصية.
عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (لا تسبّنّ أحداً وإن امرؤ سبّك بأمر لا يعلم فيك فلا تسبّه بأمر تعلمه فيه فيكون لك الأجر، وعليه الوزر)[3]. وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: (ما تسابّ اثنان إلاّ انحطّ الأعلى إلى مرتبة الأسفل)[4]. وعن أبي جعفر (عليه السلام): (ما من إنسان يَطْعَن في عَيْن مؤمن إلّا مات بشَرِّ مِيتة)[5].
إنَّ الممارس للعنف اللفظي والسلوكي، لا يقتل فرداً أو جهةً، بل يمارس فعل القتل للأسس التي ينبغي أن يقوم عليها المجتمع السليم، الذي يشعر فيه الإنسان بدوره وإنسانيته وحضوره، وكرامته المصانة من كل اعتداء أو أذى، لا أن تكون هذه الكرامة مهانةً ومادة للسباب والتخوين، كما يجري في العالم الافتراضي، ناهيك بالعالم الواقعي.
عن عبد الله بن محمد، قال: سمعت عبد الرزاق يقول: جعلت جارية لعلي بن الحسين (عليه السلام) تسكب الماء عليه وهو يتوضأ للصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه، فرفع علي بن الحسين (عليه السلام) رأسه إليها، فقالت الجارية: إن الله عزَّ وجلَّ يقول: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ). فقال لها: قد كظمت غيظي، قالت: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ). قال: قد عفا الله عنكِ. قالت: (وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). قال: اذهبي فأنتِ حرة)[6].
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال: أن تحلم على من جهل عليك وأن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عن من ظلمك)[7].