من المزاعم الكاذبة التي ألصقت بالمذهب الجعفري مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، دعوى أن الشيعة أتباع هذا المذهب يستعينون بغير الله تعالى، وبذلك يكذبون في صلاتهم عندما يقرؤون ﴿إيّاك نعبد وإيّاك نستعين﴾ فإن جميع المفسّرين يقولون إنّ هذه الآية تدلّ على حصر الإستعانة بالله عز وجل.
ويقصدون بالإستعانة هو التوسل ويقصدون بغير الله تعالى الأئمة (عليهم السلام).
ونقول في الجواب: إنّ الاستعانة أو الاستغاثة بالناس لا يتنافى مع حصر الاستعانة بالله في قوله:
﴿إيّاك نعبد وإيّاك نستعين﴾ لأنّ الاستعانة بهم - إذا كان يتضمّن الاعتقاد أنّ الله سبحانه هو الذي مدّهم بالقوة والقدرة على إعانة الغير، فلو قاموا بعمل فإنّما يقومون به بحوله وقوّته سبحانه - هو مظهر من مظاهر حصر الاستعانة به عزّ وجلّ وتأكيد لهذا المعنى.
نعم .. الأمر الذي ينافي هذا الحصر يكون لو اعتقدنا بأنّ هؤلاء أسباب ووسائط أصيلة غير مضافة الى الله تعالى بوجه من الوجوه وأنها وسائط مستقلّة في العمل والتصرف، وهذا ما لا يليق أن ينسب إلى موحّد أبداً.
والملتفت الى التعابير القرآنية يجد أنّ القرآن حافل بحصر الأفعال بالله سبحانه، فينسبها إليه في صورة الحصر، ولكنّه يعود فينسبها في نفس الوقت إلى غيره وليس هناك تعارض أو تهافت بين النسبتين لأنّ المحصور في الله سبحانه غير المنسوب إلى غيره، ففي الوقت الذي يقول فيه سبحانه: ﴿إيّاك نستعين﴾ نجد أنه يقول:﴿استعينوا بالصبر والصلاة وإنّها لكبيرة إلاّ على الخاشعين﴾ البقرة:45
ومن يستدلّ بقوله: ﴿إيّاك نعبد وإيّاك نستعين﴾ وبقوله s: ﴿وإذا استعنت فاستعن بالله﴾الوسائل: ج18 ص168
فالجواب عنه: أنّ الإعانة حقيقية ومجازية، فالمعين الحقيقي هو الله وطلب الإعانة من غيره مجاز، ولولا إمداد الله لهذا المستعان بالعون والقوّة لما استطاع أن يعين أحداً ولو اجتمعت معه الجنّ والإنس، فالاستعانة بالإنسان هي استعانة بالقوة التي منحه الله إياها إذ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، فالآية وكذا الحديث النبوي فيهما توجيه للعبد، أن لا ينسب إلى المخلوق حولاً ولا قوة، ولو طلب العون المجازي منه.
ولك أن تعبّر بدلاً عن الحقيقي والمجازي بالاستقلال وعدم الاستقلال، أو بالأصالة والتبع، المهم وضوح المعنى بأنّ الله سبحانه يملك كلّ شيء استقلالاً وأصالةً، والعبد يملكها بالمجاز والتبع.
ولذا نحكم بالشرك على من استعان بالعبد بعنوان مستقل وبالأصالة والحقيقة، لأنه جعل المخلوق في مقام الخالق، أمّا لو طلب من العبد بما مكّنه الله وأقدره على الإعانة وأجازها له، فقد طلب شيئاً مشروعاً ولا يتنافى مع التوحيد.
وهذا الحكم والبيان من دون فرق بين من يستعين بالأحياء وبين من يستعين بالأموات، وهو أيضاً شامل للذوات وغير الذوات كالجاه والمنزلة فقد تكون الذات غير موجودة كالميت لكن المنزلة والجاه متحققان فيأتي الحكم حينئذٍ، لأن الحياة والموت لا يتوقف عليهما التوحيد والشرك، بل على الحقيقة والمجاز.
المصدر: مجلة اليقين، العدد (7)، الصفحة (10).