طائفة الصدوقيين

تقدّم الكلام في المقالين السّابقين عن طائفتين يهوديتين، هما (الحريديم، والفريسيين)، وفي هذا المقال نتناول الطّائفة الثّالثة من طوائف الدّيانة اليهودية وهي طائفة الصّدوقيين، تعدّ هذه الطّائفة ثاني الطّوائف اليهودية بعد طائفة الفريسيين من حيث مكانتها، وأهميتها، وسلطتها وأتباعها.

سبب التسمية والنشأة:

ذُكرت أسباب عدّة لهذه التّسمية، منها ما هو بعيد وغير مقبول، ومنها ما هو قريب للواقع وللقبول، والسّبب القريب للقبول هو أنّهم منسوبون إلى (صادوق الكاهن)، وهو أحد الكاهنينِ العظيمين ـ كما يعبّرون عنهم في كتبهم ـ في عهد الملك داوُد(عليه السلام)، ثمّ انفرد بالكهنوت الأعظم في عهد الملك سليمان(عليه السلام)؛ لأنّه هو الّذي تولى أخذ البيعة لسليمان(عليه السلام)، فعيّنه سليمان بهذا المنصب الجليل، وقد احتفظت سلالته برئاسة الكهنوت حتّى عصر المكابيين، فأصبح خلفاؤه وزمرتهم معروفين بالصّدوقيين، وكانوا يتألفون من رؤساء الكهنة وكبار رجال الكهنوت[1].

يتضح ممّا تقدّم أن جذور تسمية فرقة الصّدوقيين يمتد إلى صادوق الكاهن الّذي كان معاصراً لداوُد وسليمان(عليهم السلام)، وهذا يشير إلـى أنّ تاريخ نشأة هذه الفرقة يرجع إلى عصر المكابيين في القرن الثاني قبل ميلاد المسيح(عليه السلام)، فقد كانت تنتمي إليها طبقة الكهنة وبعض الكتبة من اليهود الّذين يميلون إلى مسالمة الرّومان، وكان لها في السّنهدرين مجلس القضاء الأعلى ممثلون نحو عشرين عضوا، من أصل سبعين عضوا.

ويؤكد تاريخ النّشأة هذا أنّ طائفة الصّدوقيين كانت معاصرة لطائفة الفريسيين التي ظهـرت فـي القرن الثّاني قبل الميلاد، ولكن طائفة الصّدوقيين تختلف عن طائفة الفريسيين اختلافـاً واضـحاً سواء في معتقداتها وآرائها، أم في وضعها الاجتماعي، ويبدو أن سبب النّشأة هـو رفـض طائفة الصّـدوقيين للمبادئ والأصول التي قامت عليها طائفة الفريسيين[2].

عقيدة الصّدوقيين:

1- تعتقد هذه الطّائفة أنّ العزير هو ابن الله (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً).

2- لا تؤمن بالبعث والآخرة والحساب والجنّة والنار، وترى أنّ الدّنيا هي دار العمل وهي دار الجزاء، وأنّ النّفس تموت مع الجسد.

3- تنكر وجود الملائكة والأرواح والشّياطين والعالم الآخر.

4- تنكر القضاء والقدر وتؤمن بحرية الإنسان.

5- تنكر ظهور المسيح ولا تنتظره.

6- تؤمن بأسفار العهد القديم ولا ترى لها القدسية المطلقة، وتنكر الإيمان بالتلمود وتعاليمه.

فبسبب عقيدتها تكون أكثر تشدداً من باقي الطوائف اليهودية خصوصا الفريسيين، وإضافة لما تقدّم فإنّهم يتمسّكون بالتّفسير الحرفي لكلمة الله، يرفضون أية وصية لا يجدونها مدونة في التناخ اليهودي، ويعتبرونها من صنع الإنسان[3].

الحالة الاجتماعية:

من الناحية الاجتماعية فتعدّ هذه الطّائفة الصّفوة الأرستقراطية. فالمعروف عن الفريسيين أنّهـم كانوا مـن عامّة الشّعب بينما كان الصدوقيون من عِلية القوم، ولم يكن الصّدوقيون ليطيقـوا تلـك الحيـاة الجافة والتّقاليد الصّارمة التي فرضها الفريسيون على الشّعب، وأنّهم كانوا يتطلّعون إلى حياة أكثر سهولة وراحة مهما كانت الوسيلة إلى ذلك، واستمر الصّراع بين الفريقين مدّة طويلة من الزّمن، حتّى انتصر الصّدوقيون في النّهاية بفضل تقربّهم للحكّام الرّومـان، وتحـوّل هـؤلاء الحكّام عن مساندة الفريسيين. فصاروا في الغالب أغنياء ويشغلون مناصب سيادية، منها منصب الكاهن الأعظم، ورؤساء الكهنة، وأصبحوا يشغلون أغلبية المقاعد الـ (70) للمجلس الحاكم، الّذي يُدعى بـ (السنهدريم)، ومركز قوتهم كان هيكل أورشليم. واستمروا في الصّعود داخل الإمبراطوريات والرّومانية، واندمجوا مع أثرياء اليهود، وكوَّنوا جماعة وظيفية وسيطة تعمل لصالح الإمبراطورية الحاكمة وتساهم في عملية استغلال الجماهير اليهودية، وفي جمع الضّرائب[4].

المصدر: مجلة اليقين العدد (61)

 


[1] ينظر: المجتمع اليهودي، زكي شنودة: ص304.

[2] ينظر: دراسات في الأديان، أحمد غلوش: ص431.

[3] ينظر: المجتمع اليهودي، زكي شنودة: ص304.

[4] ينظر: دراسات في الأديان، أحمد غلوش: ص431.