في هذه السنين الأخيرة، مع التطور التكنولوجي، تطورت الحياة بطريقة سريعة، وصار العالم قرية صغيرة، بفعل مواقع التواصل الكثيرة، فكانت النتيجة كثرة العلاقات الاجتماعية والوظيفية الإيجابية والسلبية، وقد يغفل الإنسان في هذه الأجواء، فيقع في بعض المحاذير الشرعية في أقواله وسلوكه مع الآخرين.
وأكثر ما يغفل عنه الإنسان من تلك المحاذير، اغتياب الآخرين، وهو من الذنوب الكبيرة التي نهى الله تعالى عنها بنهي صريح، فقال تعالى: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا)[1].
وتتحقق الغيبة شرعاً بذِكر المؤمن حال غيابه بما فيه ومما يكرهه من الأوصاف الموجودة في خِلقَته أو خُلُقِه، مما يُعَدُّ تنقيصاً له ولشأنه ومكانته، وقد تكون الغيبة بالكلام، أو الكتابة، أو الإشارة، أو غيـــرها.
ورُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنه قَالَ: (مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا رَأَتْهُ عَيْنَاهُ وسَمِعَتْهُ أُذُنَاهُ، فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[2])[3]
الغيبة ذنب كبير، ومفاسده كبيرة أيضاً في الديار والآخرة، فقد وردعن رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله): (الْغِيبَةُ أَسْرَعُ فِي دِينِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْأَكِلَةِ فِي جَوْفِهِ)[4].
وَ في وصيته (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر:(يَا أَبَا ذَرٍّ إِيَّاكَ والْغِيبَةَ، فَإِنَّ الْغِيبَةَ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا).
قُلْتُ: ولِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟
قَالَ: لِأَنَّ الرَّجُلَ يَزْنِي فَيَتُوبُ إِلَى اللهِ، فَيَتُوبُ اللهِ عَلَيْهِ، والْغِيبَةُ لَا تُغْفَرُ حَتَّى يَغْفِرَهَا صَاحِبُهَا.
يَا أَبَا ذَرٍّ: سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وقِتَالُهُ كُفْرٌ، وأَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ مَعَاصِي اللهِ، وحُرْمَةُ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ومَا الْغِيبَةُ؟
قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ الَّذِي يُذْكَرُ بِهِ ؟
قَالَ: (اعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا ذَكَرْتَهُ بِمَا هُوَ فِيهِ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِذَا ذَكَرْتَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)[5].
ونحن نرشد شبابنا وأبناءنا إلى الالتفات لهذه المسألة الخطيرة، فربّما تكون الاتجاهات الحزبية والرياضية والصداقات العامة والخاصة أرضاً خصبة لهذه المعصية لتعدّد الدواعي الشيطانية لذكر الآخرين بسوء، وبما يكرهون ذكرَه، وليس من الصحيح أن ينتشر هذا الذنب في المجتمع المسلم بسهولة، ويستهان به مع أن عقوبته كبيرة، فقد رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) أنهُ قَالَ :نَهَى رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) عَنِ الْغِيبَةِ، وقَالَ: (مَنِ اغْتَابَ امْرَأً مُسْلِماً بَطَلَ صَوْمُهُ ،وَ نُقِضَ وُضُوؤُهُ، وجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَفُوحُ مِنْ فِيهِ رَائِحَةٌ أَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ، يَتَأَذَّى بِهَا أَهْلُ الْمَوْقِفِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ مَاتَ مُسْتَحِلًّا لِمَا حَرَّمَ الله عَزَّ وجَلَّ)[6].
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (44)