مواكبتها (عليها السلام) خطوات الرسالة

وقد انطلقت السيّدة زينب(عليها السلام) في بنائها الذّاتيّ ورساليّتها، من هذا البيت الرّساليّ الّذي بناه الإِمام عليّ(عليه السلام) مع السيّدة الزّهراء(عليها السلام)، في ظلّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) الّذي أَضفى على هذا البيت رعايةً خاصّةً، لأَنّه کان يعيش في عقل أَفراد هذا البيت، وفي نبضات قلوبهم، فَهُم تربيته وصناعته.

وهو(صلى الله عليه وآله) عندما کان يفکّر في مستقبل الإِسلام، کان يفکّر فيه من خلالهم ومن خلال ذرّيّتهم؛ فعليٌّ منه، وهو من عليٍّ، وفاطمةُ بضعةٌ منه، والحسنُ والحسينُ سيّدا شباب أَهل الجنّة، والسيّدة زينب هو سمّاها وأَحبّها، وکان يتوسَّم فيها شخصيّةً تحمل عطر هذا البيت.

وهکذا کانت، فهي حملت رسالةَ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأَخلاقه، وشجاعة أَبيها عليّ(عليه السلام)، وعبادة أُمّها وعِلْمَها، وهَدْي أَخويها، وانطلقت إِلى الحياة تحمل طهر البيت الّذي أَذهب اللهُ عنه الرِّجس وطهّره تطهيراً.

وبذلك استطاعت أَن تبني في داخلها شخصيّةً متنوّعة المزايا؛ فکانت العالمة والعابدة التي لا تترك صلاة اللّيل حتّى في أَشدِّ السّاعات حراجةً، کما في کربلاء، وکانت الموجِّهة، والمعلِّمة للقرآن، الآمرة بالمعروف، والنَّاهية عن المنکر، والّتي کان صوتها لا يرتفع إِلا بالحقّ في کلّ الأَماکن العامّة والخاصّة، لتکون بذلک سنداً وقوّةً للإِسلام، ولم تکن تغلق أَبوابها عن أيّ حوارٍ ونقاش هادئ ورصين.

وقد أَخلصت لزواجها من الرّجل الّذي أَخلص لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وأَهل بيته، وکان يقف المواقف الصّلبة تجاه الانحراف الأُمويّ، وهو لم يشارک في کربلاء لمرضه لا لعدم رغبته في ذلک، ولذلك أَرسل ولديه محمَّد وعون مع أُمِّهما للمشارکة في هذا الواجب الکبير، فکانت الأُمّ المربّية الّتي خرَّجت للمجتمع مجاهدين رساليّين، خرجوا معها إِلى کربلاء، واستُشهدوا.

وقد واکبت السيِّدة زينب خطوات الرِّسالة، فهي لم تعشْ سوى سنيّها الخمسة الأُولى من عمرها مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)، لکنَّها عاشت نتائج جهاد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتضحياته مع أَصحابه، حيث عاد إِلى مکّة فاتحاً، وبدأَ النّاس يدخلون في دين الله أَفواجاً، وأَکمل تبليغ الرّسالة التي أَمره اللهُ بإِيصالها إِلى النَّاس، ولم يطمئنّ إِلى أَن جاءه الوسام الإِلهيّ ليقول له أَن يقول للنّاس: (الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَکُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)[1]، بعدما ترکه أَمانةً عند عليّ(عليه السلام)، فقال(صلى الله عليه وآله): (مَنْ کُنتُ مَوْلاهُ فهذا عَليٌّ مَوْلاهُ، اللَّهمّ والِ مَنْ والاهُ، وعادِ مَنْ عَاداهُ، وانْصرْ مَنْ نَصَرَهُ، واخذلْ مَنْ خَذَلَهُ)[2].

وأَغمض رسولُ اللهِ عينيْه مُغادراً أُمّته، تارکاً لها ما إِنْ تمسّکَتْ بهما لن تضلّ أَبداً؛ کتاب الله وعترته أَهل بيته، اللّذين لن يفترقا حتّى يَرَدا عليهِ الحَوْض، وبَکَت السيّدةُ زينبُ جَدَّها وهو يُحمَلُ على أَکفّ المسلمين، وحزنت بحجم عمرها الصّغير، عندما رأت أَنّ هناک انحرافاً بَدَأ يدبّ في داخل مجتمع جدِّها، والّذي تمثّل بإِبعاد أَبيها عن الخلافة الّتي نصّ عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأَمرٍ من الله سبحانه.

وسمعت کيف صدح صوت أُمّهِا في مسجد جدِّها رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) وهي تواجه هذا الانحراف، متحمّلةً کلّ الآلام؛ ليبقى الإِسلام نقيّاً صافياً على العهد الّذي حرص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على تأکيده في أَکثر من مناسبة.

وفي تلك الأَجواء المعتمة، والأَوضاع المأساوية التي عصفت بأُمةِ جدِّها(صلى الله عليه وآله) تغيرت الأَجواء على عقيلة الهاشميين من جديد، وانقلبت الأَحوال، حين انطفأَ قنديلٌ آخرٌ من  قناديل بيت الوحي والرسالة، وحين أَفل نجم من نجوم الرحمة الإِلهية عن هذه الأُمة، حين افتقدت زينبٌ أُمّهَا الزَّهراء(عليها السلام) شهيدةً مظلومةً، وهي لا تزال بحاجة إِلى حضنها ودفئِها، عندها تجددت عليها مصيبةُ جدِّها رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وعادت عليها أَحزان ذلك الفقد الأَليم المفجع، فلم تجد ما يخفف تلك الآلآم سوى الصبر والتحمل.

 


[1]  سورة المائدة: آية 3.

[2]  الأمالي، الشيخ الصدوق: ص428.