المهدي (عليه السلام) في عيون الزهراء (عليها السلام)

المعصومون الأربعة عشر متحدون من ناحية المنبع، ولا يختلفون من ناحية العطاء، منهج واحد على الصراط المستقيم، نعم تنوّعت أدوارهم (عليهم السلام) تبعاً لاختلاف الظروف والمهمة الموكلة لكل إمام في زمانه.

إنَّ أسس العطاء الروحي وعمق الجانب الديني محفوظ عند أهل البيت (عليهم السلام) وهذا العطاء لا يتم إلّا في تركيبة خاصة للعصمة، إحدى مضامينها الاتصال والاتحاد في مبادئ الدعوة والإرشاد، والاستمرار بمنهج لا يتغير عبر التأريخ حتى يحكم الله.

وقد شاء الله تعالى أن تكون الزهراء (عليها السلام) إحدى حلقات هذا الكيان الديني المتكامل، وقد أدرك الجميع على مر العصور كم كانت(عليها السلام) مدركة ومهتمة بدورها وعلاقتها بالأئمة(عليهم السلام)، كيف وهي(عليها السلام) الحجة عليهم، كما ورد عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام): «نحن حجج الله وأُمّنا فاطمة حجّة الله علينا»[1].

فلا غرو أن يكون الإمام المهدي (عليه السلام) في نظر مولاتنا الزهراء (عليها السلام)، ترعى له مهمته وتمهّد لدوره الرسالي حيث يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما تُملأ ظلماً وجوراً.   

المهدي (عليه السلام) من ولد فاطمة (عليها السلام):

وردت أخبار عند جميع الفرق الإسلامية أن الإمام المهدي (عليه السلام) من أولاد فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقد روى ابن قتيبة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «المهدي من عترتي من وُلد فاطمة»[2].

ومن طرقنا عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة: (أَبْشِري يا فاطِمَةُ فَاِنَّ الْمَهْدِيَّ مِنكِ)»[3].

الزهراء (عليها السلام) تتحدّث الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف):

يقول محمود بن الوليد: لمّا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت فاطمة (عليها السلام) تأتي قبور الشهداء وتأتي قبر حمزة وتبكي... قلتُ: يا سيدة النسوان! قد - واللهِ - قطّعتِ نياط قلبي من بكائك، فقالت: يا أبا عمرو! لحقٌّ لي البكاء؛ فلقد أُصبت بخير الآباء رسول الله، وا شوقاه إلى رسول الله.

قلتُ: هل نصّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عليّ (عليه السلام) بالإمامة؟ قالت: وا عجباً! أنسيتم يوم غدير خم؟ قلت: قد كان ذلك؛ لكن أخبريني بما أشير إليك. قالت: أُشهد الله تعالى لقد سمعته يقول: عليّ خير من أخلّفه فيكم، وهو الإمام والخليفة بعدي، وسبطاي وتسعة من صلب الحسين أئمة أبرار؛ لئن اتّبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين، ولئن خالفتموهم ليكون الاختلاف فيكم إلى يوم القيامة.

قلت: يا سيدتي! فما باله قعد عن حقه؟ قالت: يا أبا عمرو! لقد قال (صلى الله عليه وآله): مثل الإمام مثل الكعبة؛ إذ تُؤتى ولا تأتي، ثم قالت: أما والله لو تركوا الحق على أهله واتّبعوا عترة نبيّه لما اختلف في الله اثنان، ولورثها سلف عن سلف وخلف بعد خلف، حتّى يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسين)[4].

المهدي (عليه السلام) سلوة قلب الزهراء (عليها السلام):

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ(عليه السلام) قَالَ: «دَخَلَتْ فَاطِمَةُ(عليها السلام) عَلَى رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) وعَيْنَاهُ تَدْمَعُ فَسَأَلَتْهُ مَا لَكَ، فَقَالَ: إِنَّ جَبْرَئِيلَ(عليه السلام) أَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي تَقْتُلُ حُسَيْناً، فَجَزِعَتْ وشَقَّ عَلَيْهَا، فَأَخْبَرَهَا بِمَنْ يَمْلِكُ مِنْ وُلْدِهَا، فَطَابَتْ نَفْسُهَا وسَكَنَتْ»[5].

المصدر: مجلة اليقين العدد (35)

 


[1] الأسرار الفاطميّة، المسعودي: ج1، ص17. 

[2] عيون الأخبار، ابن قتيبة: ج2، ص130.

[3] إحقاق الحق، التستري: ج29، ص666. 

[4] بحار الأنوار، المجلسي: ج36، ص352.

[5] كامل الزيارات، ابن قولويه: ص57.