قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ)[1].
كثيراً ما يتردد سؤال ما نصّه: هل مات النبي (صلى الله عليه وآله) مسموماً؟
الجواب: توجد روايات صحيحة عند الفريقين تُشير إلى أنّه (صلى الله عليه وآله) مات مسموماً، منها ما رواه الحاكم النيسابوري في مستدركه على الصحيحين عن داوُد بن يزيد، قال: سمعت الشعبي يقول: «والله لقد سُمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقُتل علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) صبراً، وسُمّ الحسن بن علي، وقُتل الحسين بن علي(رضي الله عنهما)صبراً، فما نرجو بعدهم»[2].
ومنها: ما رواه أحمد في مسنده عن ابن مسعود، قال: «لأن أحلف تسعاً أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قُتل قتلاً أحبُّ إليّ من أن أحلف واحدةً أنّه لم يُقتل وذلك بأنّ الله جعله نبيّاً واتّخذه شهيداً»[3].
إذاً، كونه(صلى الله عليه وآله) مات مسموماً شهيداً أمر مسلَّم، ولكن مَن هو الذي دسّ السمّ لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وقتله؟
هناك بعض الروايات تُشير إلى أنّه(صلى الله عليه وآله) مات متأثراً بالسمّ الذي سقته إيّاه اليهودية في خيبر في السنة السابعة للهجرة، إلّا أنّ هذا الاحتمال بعيد لأسباب عدّة، منها:
إنّ كثيراً من الروايات دلّت على أنّه(صلى الله عليه وآله) لم يأكل من ذلك اللحم المسموم، وأنّه(صلى الله عليه وآله) كان قد أُخبر عن طريق الإعجاز بكونه مسموماً، فضلاً عن بُعد المدّة بين موته(صلى الله عليه وآله) وهذه الحادثة، وهي ثلاث سنوات؛ إذ كانت واقعة خيبر في السنة السابعة للهجرة ووفاته(صلى الله عليه وآله) في السنة الحادية عشرة، فضلاً عن كون (بشر بن براء) الذي أكل من ذلك اللحم مات في الحال لقوة السمّ الذي فيه!
فاحتمال كونه(صلى الله عليه وآله) مات من أثر ذلك السمّ بعيد جداً.
وهناك رواية تُشير في مضمونها إلى قضية غريبة جداً حدثت قبل وفاته(صلى الله عليه وآله) بوقت قريب جداً، وهي أنّه(صلى الله عليه وآله) سُقي ـ في مرضه الذي مات فيه ـ بدواء ما عنوةً من غير إرادته، مع أنّه(صلى الله عليه وآله) كان قد نهاهم أن يسقونه عنوةً حال صحوته، ففعلوا ذلك حال غفوته.
روى البخاري وغيره عن عائشة، قالت: «لَدَدْنَاهُ في مرضه فجعل يُشير إلينا أن لا تَلُدُّونِي، فقلنا: كراهية المريض للدّواء، فلما أفاق قال: أَلم أنهكم أن تَلُدُّونِي، قلنا: كراهية المريض للدّواء»[4].
ومعنى: (لددناه): جعلنا في جانب فمه دواء بغير اختياره.
فالرواية تُشير بوضوح إلى سقي النبي (صلى الله عليه وآله) شراباً رغماً عنه ورفضه له حال صحوته وأنّ السقي جرى حال غفوته بدليل أنّ الرواية قالت: (فلمّا أفاق قال: أَلم أَنهكم أن تلدوني)؟
ونتساءل هنا لماذا أقدم هؤلاء الأشخاص على سقي النبي (صلى الله عليه وآله) دواءً نهاهم أن يسقونه إيّاه حال صحوته فسقوه إيّاه حال غفوته؟
وهنا ننبّه أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لا يمكن أن يقاس بغيره من الناس فهو لا يعتريه الاضطراب ولا الهذيان في أيّ حالٍ من الأحوال، سواء في حال الصحة أو حال المرض، حتى يكون تصرّف غيره نيابة عنه لما فيه مصلحته، فالقرآن الكريم صريح بلزوم إطاعته المطلقة؛ إذ يقول تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)[5]، ويقول جلّ وعلا: (ما ينطق عن الهوى إنْ هو إلّا وحي يوحى)[6].
إنّنا بلحاظ ما تقدّم لا يمكن أن نجد عذراً معقولاً ولا مقبولاً شرعاً لهذا الفعل بسقي النبي (صلى الله عليه وآله) شيئاً رغماً عنه.
إنّه فعل وجرأة غريبة واقعاً تحمل معها الكثير من التساؤلات.
فإذا وضعت هذه الاستفهامات مع حادثة ليلة العقبة والأشخاص المتورِّطين في اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله)فيها، ومن تورّع حذيفة عن الصلاة عليهم؛ لأنّ الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان (رضوان الله عليه) كان يحمل سرّ رسول الله في المنافقين الذين أرادوا اغتيال النبي(صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة، وكانت علامة معرفة المسلمين لهم هو عدم صلاة حذيفة عليهم عند موتهم، وقد ذكر ابن حزم وغيره أنّ حذيفة لم يُصلِّ على بعض الصحابة[7]، مع ملاحظة رزية يوم الخميس قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بأيّام ـ التي رواها البخاري ومسلم ـ وما جرى فيها من الاغتيال المعنوي للنبي(صلى الله عليه وآله) تتضح لك معالم الأحداث بشكل لا ظلمة فيه.
مجلة ولاء الشباب العدد (68)