(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[1]
ذُكِر القلب في القرآن الكريم موصوفاً بصفات كثيرة، منها: صفات تخصّ العقيدة، ومنها صفات تخّص الأخلاق، فذُكِر القلب السليم في قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[2]
وذُكِر القلوب المؤلفة في قوله تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[3].
والقلوب المطمئنّة في قوله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[4].
وفي المقابل ذَكَر القرآن الكريم صفات سيئة في القلوب، فذكر القلب المريض في قوله تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)[5].
والقلب القاسي في قوله تعالى: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[6]، وغير ذلك من الصفات.
وهنا نسأل: من هو المتصرف بالقلب الله أم الإنسان؟
يطلق القلب في القُرآن الكريم على العقل تارة وذلك في قولة تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ)[7]، أي قلب زكيّ حيّ ذكيّ، يتذكَّر إذا سمع كلام الله، وإلا فوجوده من عدمه سواء؛ لأنه معطّل عن جانبه المعرفي والإرادي، قائم بدوْرِه الجسماني فقط، وهذا شائع في استِعمالات العرب في حال من لا يتَّعظ.
ويطلق القلب أيضاً على الرأي والتدبير، قال تعالى: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)[8]، وبهذا المعنى تكون أفعال القلب متعلقة باختيار الإنسان وإرادته.
ويظهر من بعض الآيات أن الباري يتصرّف في القلوب أيضاً كما في قصة أم موسى (عليه السلام)، قال تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[9]، وكذلك أهل الكهف، قال تعالى: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ)[10]، فهنا كان الربط على القلب من فعل الله تعالى.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الربط الإلهي والتصرف في القلب، لا يُخرج حالات القلب عن سلطان الإنسان واختياره، فهو لا يتنافى مع التكليف، ولو أن الله عزوجل ربط على قلب عبد بالخير والصلاح، فاتجه نحو الخير والطاعات، فإنه يثاب على عمله؛ لأن الإرادة منه، والسعي منه، والجهاد منه.. نعم، الإلقاء في الروع من الله عزوجل.
وكذلك الحال في جانب العصيان فعندما يختم الله عزوجل على القلب، كما في قوله تعالى: (خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ)[11]، فإن القلب المختوم قلب لا يفكر، وقلب لا يهتدي، وعندئذ الإرادة لا تريد الخير، والجوارح لا تمشي نحو الحق.
وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)[12].
الإنسان أحياناً يحب ويرغب أن يسعى لفعل معين، لكن قلبه مصروف إلى جهة أخرى، فلا يريد ذلك الفعل، قال تعالى: (وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)[13].
فإن الله تعالى عندما حبّب الإيمان إلى قلوب العباد لا يمكن أن يحصل ذلك الإيمان إلا بإرادتهم واختيارهم، وكذلك الحال عندما يكرّه الكفر والفسوق، فإن حال ترك الفسوق متعلّق بإرادة الإنسان واختياره.
ويمكن أن نعبّر عن تصرف الله تعالى بقلوب العباد بالتوفيق وعدم التوفيق، وهو أمر لا يتنافى مع إرادة الإنسان لأفعاله، ويتوافق مع مبدأ الإثابة والعقوبة أيضاً.
مجلة اليقين العدد (46)