يعتقد الشيعة الاثنا عشرية بأن المعصومين (عليهم السلام) ومنهم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد وهبهم الله تعالى- لعظم منزلتهم عنده- الولاية التكوينية، والتَّصرُّف التكويني ـ إبداعاَ أو تبديلاً ـ في الأُمور بغير أَسباب متعارفة، مع علم واختيار الوليِّ بأسباب وتفاصيل المورد، فإِن كان ذلك بشرط التحدّي وادعاء النبوة فهي مختصة بالنَّبيِّ، وتسمى بالمعجزة.
وربما يقال: إن هذا التصرف التكويني يستبطن أن أصحاب هذه الولاية هم شركاء لله تعالى في إدارة الكون، باعتبار أن لديهم قدرة ذاتية للتأثير في الأمور الكونية.
فإنه يقال: إن هذا المعنى لم تقل به الإمامية، وهو شرك مرفوض إذا كان المُعتقِد يرى هذه الكرامة على نحو الاستقلال والاستغناء، لأن هذا التصور خاطئ من الأساس لا يرجع إِلى معتقدات الشيعة، فإِنه لا يوجد عالم من علماء الشيعة يعتقد أَو يقول أَنَّ لأَحد البشر -بما فيهم الأَنبياء(عليهم السلام)- قوة ذاتية لها تأثير في الأُمور الكونية بالاستقلال عنه تعالى خالية عن أي ارتباط به سبحانه.
ولو أن أحداً أخطأ في فهم معنى هذه الولاية عند الشيعة فقال بهذا القول، فهذا لا يعني ثبوتها بالفعل لاعتقادات هذا المذهب، بل هي نسبة ناشئة عن الوهم أو التلفيق، فإن عقائد أية فرقة من الفرق إنما تؤخذ من جمهور رموزها الكبار، ولا تؤخذ من أيٍّ كان من الناس.
والمراد بالولاية التكوينية: أن إرادة المعصوم نبياً كان أو وصياً هي من مبادئ تحقق الإرادة الإلهية، فمثلاً قدرة النبي عيسى(عليه السلام) على إبراء الأكمه والأبرص، هي قدرة ممنوحة من الله تعالى بحيث يسمح لعيسى(عليه السلام) أن يعملها متى أراد.
لذلك فإنه يصح نسبة فعل الإبراء إليه سبحانه من جهة أنه واهب القدرة، كما يصح نسبة ذلك الفعل إلى عيسى(عليه السلام) من جهة كونه الفاعل المباشر حسب التخويل الإلهي، وهو نظير ما أخبر الله به تعالى عن فعل التوفّي، فتارة ينسبه إلى الملائكة الموكّلين، قال تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ...)[1]، وتارة أخرى ينسبها إلى نفسه قال تعالى: (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ...)[2].
وأبرز مثال لهذا النوع من النسبة وجود الزرع، فإن الله هو الذي يُنبته، لكن بشرط أن تحرث الأرض وينثر فيها البذر وتُسقى بالماء، وبشرط ألا تكون الأرض سبخة، وغير ذلك من الشروط، فيقال: أنبتَ اللهُ الزَّرعَ، ويقال: أنبتتِ الأرضُ زرعَها، كما أن الجنين يتكون بشرط مقاربة الرجل زوجته ضمن شروط وحالات معينة، والمريض أيضاً يشفيه الله ولكن بشرط الدواء والدعاء، ولذا تجد أن بعض الأدعية تقرأ لقضاء حاجة بعينها، لكن دعاء آخر يفيد في قضاء حاجة من نوع آخر.
هذا مع الفرق بين تصرف المعصوم التكويني بلا ملاحظة العلل والأسباب، وبين ملاحظة ووجوب ذلك عند غير المعصوم.
ولذلك قال وصي سليمان عن عرش بلقيس: (...أَنَا آتِيكَ بِهِ ...)[3]، فأين الشرك في ذلك كله؟
مجلة اليقين العدد (37)