يُحكى أنّه كان هناك طفل يعيش في قرية صغيرة ويعمل في رعي الأغنام، وفي يوم من الأيام أصابه الملل من مشاهدة أغنام القرية تحدّق في الأفق بلا جدوى، فقرّر تسلية نفسه، وصاح فجأة: "ذئب! ذئب! هنالك ذئبٌ يطارد الأغنام!" بمجرّد أن سمع القروييون صياح الفتى حتى سارعوا إلى التلّة بعصيّهم وبنادقهم لإخافة الذئب، لكنهم لم يعثروا على شيء، فيما كان الولد مستمتعاً برؤية ملامحهم الغاضبة. واكتشف القروييون حيلة الولد فصاحوا فيه بغضب: "لا تصرخ محذّراً من الذئاب إن لم يكن هناك ذئبٌ حقاً!" ومضوا بعدها عائدين إلى أعمالهم.
بعد بعض الوقت، عاود الراعي الكرّة وصاح مجدّداً: "ذئب! ذئب يلاحق خرافي!" ومجدّداً سارع سكّان القرية بأسلحتهم لإنقاذ الخراف، لكنّهم في هذه المرّة أيضاً لم يعثروا على أيّ ذئب، وقاموا بتوبيخ الراعي مجدّداً على مزاحه الثقيل، بينما كان هو يضحك مستمتعاً. بعد ساعات عدّة، رأى الراعي ذئباً حقيقياً يقترب من أغنامه، فانتابه الخوف وراح يصيح: "ذئب! ذئب يهاجم خرافي!" لكنّ أحداً لم يردّ عليه ولم يأتِ لمساعدته، فقد اعتقد القروييون أنه يكذب مجدّداً، وتجاهلوه تماماً.
فلما غربت الشمس، ولاحظ سكان القرية غياب الراعي وأغنامه، فصعدوا إلى التلّة ليتفقّدوا أمره، ووجدوه هناك يبكي وينتحب، فسأله أحدهم "ما الأمر؟ ماذا أصابك؟". فقال "لقد هاجم الذئب قطيع الأغنام، وقضى عليها، طلبتُ عونكم لكنّ أحداً منكم لم يأتِ لمساعدتي!" حينها اقترب منه حكيم القرية وهمس في أذنه قائلاً: "حينما يعتاد الناس منك على الكذب، لن يصدّقوك حتى لو قلت الحقيقة!"
العبرة المستفادة:
العبرة من هذه القصة القصيرة واضحة وضوح الشمس، لن يصدّق أحدٌ الكاذب حتى لو قال الحقيقة، وهذا ما يحصل اليوم في زماننا للأسف الشديد، فقد اعتاد أغلب الناس -الصغير منهم والكبير، الفقير منهم والغني، الجاهل منهم والمتعلم، السياسي المسؤول منهم وغير المسؤول "إلا ما ندر"- على الكذب والخديعة والمكر حتى في الأمور الإنسانية المتعلقة بحياة الناس، والمفصلية المتعلقة بمستقبل الأمة، فشاع الكذب وصار هو الطابع السائد، فكل من يتكلم يحمل كلامه على الكذب، وإن كان صادقاً فعلاً.
فضاع الراعي والرعية، حيث انحدرت أخلاق المجتمع وفقد انسانيته ونبله، وانعدمت الثقة والمروة، ورفعت الرحمة والإنسانية، فلا بركة، ولا غيرة، ولا حمية، حتى سلبت منا كل مقومات الأمة الخيرة، حيث كنا كما قال الله عز وجل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...) (سورة آل عمران: آية110).
المصدر: مجلة بيوت المتقين، العدد (93)، صفحة (30)