في اليوم الثامن من ربيع الأول سنة 260هـ وبعد شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، بدأت إمامة بقية الله الأعظم الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه الشريف)
فهو أوّل يوم من إمامة وخلافة منجي البشرية، آخر حجج الله على أرضه، وتأمل الشيعة أن يعجّل الله تعالى فرج إمام زمانها الإمام المهدي المنتظر(عليه السلام) في أقرب وقت ممكن، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، كما بشّر بذلك جدُّه محمّد(صلى الله عليه وآله) في أحاديث متواترة، وتأكيد والده الإمام العسكري (عليه السلام) على هذا الأمر كان ذا أثر أبلغ، لأنه قد حدد شخص الإمام لخواص أصحابه وهناك روايات عديدة في ذلك نكتفي بذكر واحدة منها.
حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الله عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَي أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام)، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ الْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَالَ لِي مُبْتَدِئاً: يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُخَلِّ الْأَرْضَ مُنْذُ خَلَقَ آدَمَ (عليه السلام)، وَلَا يُخَلِّيهَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ مِنْ حُجَّةٍ لِلهِ عَلَى خَلْقِهِ، بِهِ يَدْفَعُ الْبَلَاءَ عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَبِهِ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَبِهِ يُخْرِجُ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، فَمَنِ الْإِمَامُ وَالْخَلِيفَةُ بَعْدَكَ؟ فَنَهَضَ (عليه السلام) مُسْرِعاً فَدَخَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَى عَاتِقِهِ غُلَامٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، مِنْ أَبْنَاءِ الثَّلَاثِ سِنِينَ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ، لَوْ لَا كَرَامَتُكَ عَلَى اللهِ(عَزَّ وَجَلَّ) وَعَلَى حُجَجِهِ مَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ ابْنِي هَذَا، إِنَّهُ سَمِيُّ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)، وَكَنِيُّهُ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ، مَثَلُهُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ الْخَضِرِ (عليه السلام)، وَمَثَلُهُ مَثَلُ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَاللهِ لَيَغِيبَنَّ غَيْبَةً لَا يَنْجُو فِيهَا مِنَ الْهَلَكَةِ إِلَّا مَنْ ثَبَّتَهُ اللهُ(عَزَّ وَجَلَّ) عَلَى الْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ، وَوَفَّقَهُ فِيهَا لِلدُّعَاءِ بِتَعْجِيلِ فَرَجِهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا مَوْلَايَ فَهَلْ مِنْ عَلَامَةٍ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا قَلْبِي؟ فَنَطَقَ الْغُلَامُ (عليه السلام) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ فَصِيحٍ، فَقَالَ: أَنَا بَقِيَّةُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالْمُنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِهِ، فَلَا تَطْلُبْ أَثَراً بَعْدَ عَيْنٍ.
عمره (عجل الله فرجه الشريف) عند التتويج:
تسلّم الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) مهام الإمامة وهو ابن خمس سنين، فهو بذلك يكون أصغر الأئمّة(عليهم السلام) سنّاً عند تولّيه الإمامة، ولا يعترض على ذلك معترض، فهو أمر وارد في تاريخ الأنبياء والرسل (عليهم السلام)، وأئمّة أهل البيت(عليهم السلام).
فالنبي عيسى (عليه السلام) تسلم النبوة وهو في المهد، والنبي يحيى(عليه السلام) كان نبياً وهو صبي.
أما الأئمة (عليهم السلام)، فإن الإمام الهادي(عليه السلام) تسلّم الإمامة وكان عمره ثمان سنين، وسبقه الإمام الجواد(عليه السلام) وعمره الشريف سبع، أو تسع سنين.
إذاً فلا علاقة للسنّ في المناصب التي يفيضها الله تعالى على أحد، حتى أن علماء المذاهب الإسلامية قد اعتبروا الإمامة وهو في هذا السنّ ـ خمس سنين ـ أمراً عادياً في سيرة الأئمّة (عليهم السلام)، فهذا ابن حجر الهيثمّي الشافعي يذكر في ترجمته للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ويقول: (ولم يخلّف ـ الإمام العسكري ـ غير ولده أبي القاسم محمّد الحجّة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه الله فيها الحكمة)[1].
ونقل الشيخ محسن الأمين في كتاب أعيان الشيعة، أن الشيخ عبد الرحمن الجامي الحنفي قال في ترجمة الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف):(وكان عمره عند وفاة والده الإمام الحسن العسكري خمس سنين، وجلس على مسند الإمامة، وكما أعطى الحق تعالى يحيى بن زكريا الحكمة والكرامة في حال الطفولية، وأوصل عيسى بن مريم إلى المرتبة العالية في زمن الصبا، كذلك هو في صغر السنّ، جعله الله إماماً، وخوارق العادات الظاهرة له ليست قليلة بحيث يسعها هذا المختصر)[2].
ويظهر من كلام الشيخ الحنفي أنه يستند إلى وقوع ذلك في الأنبياء السابقين (عليهم السلام) فلا يستبعد أحد الإمامة عن الصغير مادام منصباً من الله تعالى، معززةً بالكرامات التي لا يمكن صدورها عن غير الإمام.
وقد قام الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) بأوّل مهامه بعد تسلّمه الإمامة، وهي الصلاة على أبيه الإمام العسكري (عليه السلام) في داره، وقبل إخراج جسده الطاهر إلى الصلاة الرسمية التي خطّطتها السلطة الجائرة آنذاك، وكان ذلك أمراً مهمّاً في إثبات إمامته المباركة، حيث لا يصلّي على الإمام المعصوم إلّا الإمام المعصوم.
المصدر: مجلة اليقين العدد (44)