من زمن ليس ببعيد كانت الأسرة في دول العالم العربي والإسلامي، تعتمد على هاتف واحد أو أكثر يعتمد عليه أفراد الأسرة في قضاء حوائجهم باتصالاتهم مع الآخرين.
أما اليوم فقد تغيّر هذا الحال تغيّراً يثير الدهشة، فقد صار لكلّ فرد من أفراد الأسرة من الوالدين إلى الأبناء الكبار والصغار من الجنسين، لكل واحد من هؤلاء هاتفه الذي يعرف بالجوال أو الموبايل، وبات كل فرد يستقل بهاتف يحمله معه، ويرى فيه خصوصية له.
وتقلصت مع مرور الوقت الحاجة إلى الهاتف الرئيسي (الهاتف الأرضي) في مقابل الهاتف الجوال أو المبايل.
كذلك كانت الأسرة تعتمد على تلفزيون واحد، تجتمع عنده العائلة، يشاهدون معظم برامجها المختلفة في أوقات معينة وثابتة، وعادة ما يُوضع التلفاز في المكان الذي يلتقون ويجتمعون فيه.
ومثله مثل الهاتف الواحد تغير إلى أكثر من واحد، وتغيرت معروضاته من البرامج والتقارير واللقاءات بما يلائم الأهداف والأخلاق والثقافات الجديدة، ومن المحتمل أنه سيتغير أكثر في المستقبل.
فلم يعد التلفاز عامل من عوامل اجتماع الأسرة، وفقد مركزه الحيوي في المنزل، وانكفأ الجيل الجديد يعتمد في مشاهداته على الأجهزة الخاصة بكل فرد منهم، مثل اللابتوب أو الآيباد أو الموبايل وبقية أجهزة التقنيات المدهشة بإمكانياتها وبرامجها أو بالتلفزيون الموجود في غرفته الخاصة.
النتيجة من كل هذا أصبح كل فرد في الأسرة يشاهد بطريقة فردية، وحسب مزاجه وذوقه واختياراته، وفي بعض الأحيان يختار له مكاناً منفرداً عن الآخرين، ولا يحبذ مشاركة أحد معه في متابعة المعروض.
إن هذه الأجهزة المتنوعة حلَّت محل الأبوين للأبناء، بل حلّت محل كل وسائل التربية البشرية، وذلك لطول الوقت الذي يقضيه الأبناء مع هذه الأجهزة والانهماك في التفاعل معها، والتعامل بهذا الشكل شبه الدائم مع التكنولوجيا يؤدي إلى ضعف عَلاقة أفراد الأسرة مع بعضهم، وتظهر الآثار النفسية السلبية بينهم - خصوصاً الشباب - كالاكتئاب، وحب العزلة، والانطوائية، وتَقِلّ قابليتهم على قبول قيم المجتمع، وثوابت الدين، وتحلُّ محلّها قيم مقتبسة من إشاعات وأفكار متناثرة على مواقع التواصل.
لقد حصل كل هذا - وربما يحصل الأكثر - بسبب أن الاستخدام المفرط للتقنيات الحديثة كَرّس الروح الفردية عند الشباب، وركّز فيهم حبّ الحياة الفردية، حتى في الألعاب المشتركة فإنها مشتركة عن بُعْد، فصار الشاب يأنس بها، وهو شعور عام بالفردية يوهم بصحة السلوك ومقبوليته، فمعظم الناس أو جميع فئة الشباب على مستوى العالم قد ارتضت هذا السلوك - التواصل عن بعد - اختياراً ورغبة فيه.
ونستبعد أن أبناءنا الشباب غير ملتفتين إلى هذا التغيير الكبير في نمط حياتهم، الذي كان له أثر سلبي على ثقافة مجتمعهم، والقيم التي تحكم العلاقات الاجتماعية التي ترسم حياتهم، ولكن لبعض الظروف العامة في البلد تصوروا أن فيها تفريغ الهموم والانفعالات أمام التحديات الاقتصادية والسياسية والتربوية التي يعيشونها.
ونحن لا نريد أن ننكر فكرة تطور وسائل المعيشة وممارسة الحياة وفق العلم والتكنولوجيا، لكن نقول كل هذا هو نعم متوالية من الله عز وجل، تتطلب منا شكرها بالتعامل معها حسب الأغراض الأساسية التي صنعت وأسّست لتحقيقها، لا حسب أهداف الجهات التي لا تبالي بمصالح الشعوب.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (39)