بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ)[1].
قليلُكَ لا يُقالُ له قليلُ:
السورة المباركة تفيد أنّ الله تبارك وتعالى خاطب نبيَّه صلّى الله عليه وآله بلا واسطة، مُبشِّراً حبيبَه ومدافعاً عنه ومحصِّناً له وضامناً له الكوثر، وفي الوقت ذاته رادعاً عدوَّه قامعاً شانئه قاضياً عليه بالأبترية الأبدية، وقد استفاضت الروايات أن السورة إنما نزلت فيمن عابه (صلى الله عليه وآله) بالبتر بعد ما مات ابناه القاسم وعبد الله.
روى الدولابي: أنّ الله عزّ وجلّ لمّا قبض القاسم ابنَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال المشركون: قد أصبح محمدٌ أبترَ مِن ابنه! فأنزل الله على نبيّه: إنّا أعطيناك الكوثر عِوَضاً من مصيبته في القاسم[2]، وقيل: إنّ العاص بن وائل التقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند باب المسجد وتحدّثا، وأناسٌ من قريشٍ جلوسٌ في المسجد، فلمّا دخل العاص قالوا: مَن الذي كنتَ تتحدث معه؟ قال: ذلك الأبتر! فسمّاه أبترَ لأنّه كان له ولدٌ أسمُه «عبد الله» وكان من خديجة فمات، ولم يكن له ابنٌ غيره، وكانوا يسمّون مَن لم يكن له ولدٌ: أبتر[3].
أجل.. ولكنّ الذي قضاه الله بعد ذلك أنّ العاص لعنه الله أصبح هو الأبتر، وعُرِف رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعدَ ذاك أنّه صاحبُ الكوثر.. وقد نزلت فيه سورة مبشّرة مُنْبئة له بالخير الكثير، والحظّ الوفير، ليس أحدٌ في العالمين نال نواله بركةً ووفرةً ونماءً ونوراً ممتدّاً.
إعجاز السورة:
والسورة تتضمن في الواقع الإنباء بالغيب والحديث عن المستقبل.
فهي أولا تتحدث عن إعطاء الخير الكثير للنبي (أعطيناك الكوثر) وهذا الفعل وإن جـاء بصيغة الماضي، قد يعني المستقبل الحتمي الوقوع، وهذا الخير الكثير يشمل كل الانتصارات والنجاحات التي أحرزتها الدعوة الإسلامية فيما بعد، وهي ما كانت متوقعة عند نزول السورة في مكة.
من جهة أخرى، السورة تخبر النبي بأنه سوف لا يبقى بدون عقب، بل إن ذريته ستنتشر في الآفاق، وهم من نسل بنته الصديقة فاطمة الزهراء، الذين ملؤا الأرض ذرية بعضها من بعض.
ومن جهة ثالثة، تخبر السورة بأن عدوه هو الأبتر، وهذه النبوءة تحققت أيضا، فلا أثر لعدوه اليوم، بنو أمية وبنو العباس الذين عادوا النبي وأبناءه كانوا ذا نسل لا يحصى عدده، ولم يبق اليوم منهم شئ يذكر.
وحتّى سورته الجليلة اكتسبت به خيراً كثيراً، حيث روى الشيخ الصدوق عن أبي بصير أنّ الإمام الصادق(عليه السلام) قال: (مَن كانت قراءته (إِنّا أَعطَيناكَ الكوثرَ) في فرائضه ونوافله، سقاه الله من الكوثر يومَ القيامة، وكان محدّثه عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أصل طوبى)[4].