تحاول بعض البرامج الإعلامية ترويج تعابير ومصطلحات تصنفها ضمن معطيات العالم الجديد، ذلك من قبيل الانفتاح، والتطور، والتجديد، والحوار مع الآخر، وغيرها.
وقد أفرز الجهل عن قصد أو عن دون قصد تنافياً بين محتوى هذه التعابير وبين محتوى التعاليم الإسلامية، فصارت صورة الدين الإسلامي أنه لا يتوافق مع الحياة الجديدة، وأنه مجموعة أحكام قديمة جامدة على حقبة زمنية فاتتْ عليها قرون، وهو غير قابل للتجديد.
إن (الانفتاح) لفظ جميل عندما نسمعه، لكن ليس ذلك بلا شروط وضوابط، لأنه سيكون حينئذٍ حالة من اضمحلال بعض المثل والقيم المهمة في حياة الإنسان.
وتعبير (قبول الآخر) وحق الاختلاف، أيضاً من المعاني المقبولة في جميع الثقافات، ومنها الثقافة الإسلامية، لكن ذلك القبول يجب أن يقترن باحترام الطرفين ويحترم كل منهما حق الآخر في اختياراته وفكرته ونظرته الحياتية، لا أن يُنظر لطرف كنوع متخلف فكرياً وثقافياً.
وكذلك (التطور والتجديد والتقدم)، كلها معانٍ مقبولة في الدين الإسلامية تحت ضوابط الاحترام المتبادل ومراعاة نظرته وتقييمه لكل ما يتعلق بالحياة الإنسانية.
وإذا ما فقدت هذه العبارات هذه الضوابط العالمية، فسوف تكون ناقصة مصمّمة لتلائم فكر خاص وثقافة دون أخرى، ويكثر الاستهزاء والتهكُّم والاستباحة للثقافات المقابلة.
فخذ مثلاً ثقافة الحجاب في الإسلام، فإنها وسط دعوى الانفتاح والتطور، يُشار إليها بطريقة لا تُراعى فيها أدنى المباديء التي تقوم عليها هذه الدعوى، وهي احترام الفكر المقابل، مع أنه سلوك صامت ليس له نقد أو مساس بأي ثقافة أخرى، فهل من دواعي الانفتاح والتطور أن يصدر قانون يمنع المرأة من وضع قطعة قماش على رأسها؟ ألا يعد هذا استخفافاً بثقافتنا؟
ألا يتنافى هذا مع دعاوى التعايش والوحدة وقبول الآخر وشعارات المجتمع الحر كما يزعمون؟
إن أصحاب هذا التوجه الثقافي يسعون لخلق إسلام جديد تختفي معه هوية المسلمين، ويكونون بعيدين عن المبادئ الأساسية لثقافتهم الدينية، فهم لا يدعون المسلمين للتخلي عن دينهم صراحةً، لكن ببعض الشعارات يذوب الشعور بالمسؤولية عند بعض الجاهلين، خصوصاً مع الضغط الإعلامي الشديد الذي يشرف عليه أصحاب التحرر المزعوم.
نتيجة لهذه الحركة (التبشيرية) ضد الثقافة الإسلامية، مال البعض مع هذه الرياح العاتية، جهلاً منه أن ذلك يؤثر على علاقته بالدين والشريعة، فصارت نسبة من سلوكه لا تحكي عن هويته والقيم التي تستند إليها، فمثلاً أصبح يقيم المهرجانات ويحضر الدعوات في الثقافات الأخرى أكثر مما هو في ثقافته، بعنوان الوحدة والإخاء، وربما يرتكب المخالفات الأخلاقية بذلك العنوان، والقافلة تسير به دون توقف.
لذا فينبغي للمجتمع الإسلامي ـ وخصوصاً فئة الشباب ـ أن يدركوا إنّ التجديد في الحياة البشرية، والتحديث في وسائل وأدوات التواصل بين المجتمعات، والاجتهاد في اختيار طريقة العيش، كل ذلك له موازين وضوابط، والتي من أهمها الإبقاء على الأسس، وإلاّ كان ذلك التجديد هدماً وتخريباً.