مسجد المباهلة

مسجد المباهلة

وردت كثير من الأحاديث الشريفة الحاثة على احترام المدينة المنورة برمتها كسائر المدن المقدسة، ونجد في أحاديث أئمة العترة المحمدية (عليهم السلام) تأكيدات مشددة على تعظيم جميع المشاهد المشرفة والمساجد المعظمة في المدينة المنورة، قال الصادق (عليه السلام) لأحد أصحابه ضمن حديث عن هذا الامر: (لا تدع اتيان المشاهد كلها).

ومن المساجد المكرّمة المهمة في المدينة المنورة مسجد المباهلة الذي بُني في الموقع الذي شهد حادثة مباهلة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) نصارى نجران بأهل بيته (عليهم السلام) وهي الحادثة المشهورة التي سجلها القرآن الكريم، فلا ينبغي الغفلة عن تعظيم هذا المسجد وزيارته والصلاة فيه والتوسل إلى الله عز وجل بأصحاب العباء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

موقع المسجد:

يقع هذا المسجد إلى الشمال الشرقي من المسجد النبوي، ويبعد عنه بمسافة قليلة.

تسمية المسجد:

لهذا المسجد اسمان:

أ- مسجد الإجابة: اشتهر هذا المسجد بهذا الاسم لما روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرّ بالمسجد وصلى فيه ركعتين، ودعا ربّه طويلاً، ثم انصرف، فقال: سألت ربّي ثلاثاً، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي بالسّنة (الجدب، وهو انقطاع المطر) فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالفرق[1] فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها[2].

ب - مسجد المباهلة: سمي المسجد بهذا الاسم لأنّ المباهلة بين النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، ووفد نصارى نجران وقعت فيه، فسمي بمسجد المباهلة.

وقد ذكر الشيخ المفيد قصة المباهلة في كتابه الإرشاد حيث قال: (ولما انتشر الإسلام بعد الفتح وما وليه من الغزوات وقوى سلطانه، وفد إلى النبي (صلى الله عليه وآله) الوفود فمنهم من أسلم ومنهم من استأمن ليعود إلى قومه برأيه فيهم، وكان في مَن وفد عليه نصارى نجران، فقَدِموا المدينة وقت صلاة العصر، فلما صلّى النبي (صلى الله عليه وآله) العصر توجّهوا إليه، فقالوا له: يا محمد، ما تقول في السيد المسيح؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): عبد الله اصطفاه وانتجبه، فقالوا: أتعرف له يا محمد أباً ولده؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لم يكن عن نكاح فيكون له والد؟ قالوا: فكيف قلت انه عبد مخلوق وأنت لم تر عبداً مخلوقاً إلا عن نكاح وله والد، فانزل الله تعالى الآيات: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ، فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)[3]، فتلاها النبي(صلى الله عليه وآله) على النصارى ودعاهم إلى المباهلة، وقال: إن الله عز اسمه اخبرني أن العذاب ينزل على المبطل عقيب المباهلة، ويبين الحق من الباطل بذلك: فاجتمعوا واتفق رأيهم على استنظاره إلى صبيحة غد من يومهم ذلك، فلما رجعوا إلى رحالهم، قال لهم كبيرهم: انظروا محمداً في غد، فإن غدا عاد بولده وأهله فاحذروا مباهلته، وان غدا بأصحابه فباهلوه فانه على غير شيء.. فلما كان من الغد جاء النبي(صلى الله عليه وآله) آخذاً بيد أمير المؤمنين(عليه السلام) علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهما السلام) بين يديه يمشيان وفاطمة صلوات الله عليها تمشي خلفه، وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم، فلما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) قد أقبل بمن معه سأل عنهم، فقيل له: هذا ابن عمه علي بن أبي طالب وهو صهره وأبو ولده وأحب الخلق إليه، وهذان الطفلان ابنا بنته من علي وهما من أحب الخلق إليه، وهذه الجارية بنته فاطمة (عليها السلام) أعز الناس عليه وأقربهم إلى قلبه فنظر الأسقف إليهم وقال لهم: انظروا إليه قد جاء بخاصته من ولده وأهله ليباهل بهم واثقاً بحقه، والله ما جاء بهم وهو يتخوف الحجة عليه، فاحذروا مباهلته، والله لو لا مكان قيصر لأسلمت له ولكن صالحوه على ما يتفق بينكم وبينه وارجعوا إلى بلادكم وارتؤوا لأنفسكم، فقالوا له: إنا لرأيك تبع، فقال الأسقف: يا أبا القاسم إنا لا نباهلك ولكنّا نصالحك، فصالحنا على ما ننهض به، فصالحهم النبي(صلى الله عليه وآله) على الفيء[4]. ورضوا بدفع الجزية عن يد وهم صاغرون كما يقول القرآن الكريم.

تجديد المسجد عبر التاريخ:

جاء في كتاب المدينة المنورة معالم وحضارة: قام عمر بن عبد العزيز بتجديد مسجد المباهلة عندما كان والياً على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك [من سنة 87-93هـ].

   وقد خرب المسجد بعد ذلك ولم يبق منه إلا بعض الآثار البسيطة.

  وجُدِّد المسجد في عهد العثمانيين، وكان بناؤه العثماني مكوناً من قسمين: القسم الأمامي وفيه المحراب والقسم الخلفي، وكانت عليه قبة، وتهدّم المسجد بعد ذلك، وكاد يزول أثره[5].

المسجد في الوقت الحاضر:

قامت وزارة الأوقاف السعودية بدمج القسمين (الأمامي والخلفي) في بناء واحد واعتنت بتشييده وفرشه وصيانة مرافقه، ونظافته وتكييفه، وإنارته. وهو الان عبارة عن هيكل من الخرسانة المسلحة، ويتكون من رواقين وصحن، وقد وضعت المئذنة في الركن الشمالي الغربي، وهي قصيرة ولها شُرفة مثمّنة. وقد ألحق بالمسجد محل للوضوء، ودور مياه، ونظمت في حوائط المسجد شبابيك مستطيلة يعلوها كورنيش بشكل عقد مثلث[6].

أهميته:

تبين لنا من السطور الماضيّة أهمية مسجد المباهلة لأمرين هما: صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) به، والثانية قصة مباهلة النبي(صلى الله عليه وآله) نصارى نجران في هذا المكان.

المصدر: بيوت المتقين (48) شهر صفر 1439هـ

 


[1]  الفزع، كما في المنجد ص 579.

[2] المساجد والأماكن الأثرية في المدينة المنورة: ص 16.

[3] آل عمران الآية:59-61.

[4] الإرشاد للمفيد: /166-168(طبع مؤسسة آل البيت لإحياء التراث).

[5]  المدينة المنورة معالم وحضارة: ص43.

[6]  المدينة المنورة تطورها العمراني وتراثها المعماري: ص: 206.