قصة بقرة بني إسرائيل

قُتل شخص من بني إسرائيل بشكل غامض ولم يعرف القاتل.

تذكر كتب التاريخ والتفسير أن دافع القتل في هذه الحادثة إما المال أو الزّواج.

منهم من قال: إن ثرياً من بني إسرائيل لم يكن له وارث سوى ابن عمه، فطال عمر هذا الثري، ولم يطق الوارث مزيداً من الانتظار، فقتله خفيه ليحصل على أمواله، وألقى جسده في الطريق، ثم بدأ بالصراخ والعويل، وشكا الأمر إلى موسى (عليه السلام).

وقال آخرون: إن القاتل أراد أن يتزوج من ابنة القتيل فرفض ذلك، وزوّج ابنته إلى أحد أخيار بني إسرائيل، فقعد له وقتله.

على أّية حال حدث بين قبائل بني إسرائيل نزاع بشأن هذه الحادثة، كل قبيلة تتهم الأخرى بالقتل. توجهوا إلى موسى ليقضي بينهم فما كانت الأساليب الاعتيادية ممكنه في هذا القضاء وما كان بالإمكان إهمال هذا المسألة، لما سيترتب عليها من فتنة بين بني إسرائيل، لجأ موسى (عليه السلام)
 بأذن الله تعالى إلى طريقة إعجازية لحل هذه المسألة.

يقول سبحانه: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً...) وأن تضربوا بقطعة منها المقتول كي يحيى ويخبركم بقاتله (...قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا...)؟،... قال: ( أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[1] أي إن الاستهزاء من عمل الجاهليين، وأنبياء الله مبرءون من ذلك.

إشكالات بني إسرائيل:

بعد أن أيقنوا جديّة المسألة أخذوا يتساءلون عن تفاصيلها: (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ...).

موسى (عليه السلام) أجابهم (...قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ...) أي: إنها لا كبيرة هرمة ولا صغيرة بل متوسطة بين الحالتين (...فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ)[2].

لكن بني إسرائيل لم يكفوا عن لجاجتهم: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا)؟

أجابهم موسى (عليه السلام): (قَالَ إِنَّهُ يَقوُلُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِع لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) أي إنها حسنة الصفرة لا يشوبها لون آخر.

ولم يكتفوا بني إسرائيل بهذا بل أصروا على لجاجتهم، وضيّقوا دائرة انتخاب البقرة على أنفسهم، فعادوا وقالوا: (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ...) طالبين بذلك مزيدًا من التوضيح، متذرعين بالقول: (...إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء الله لَمُهْتَدُونَ) [3] أجابهم موسى(عليه السلام) (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ...) أي: ليست من النوع المذلل لحرث الأرض وسقيها، (مُسَلَّمَةٌ) أي سالمة من العيوب كلها، (لا شِيَةَ فِيهَا) أي: لا لون فيها من غيرها، حينئذ: (قالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ)، (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ)[4] أي أنهم وجدوا بقرة بهذه السمات ثم ذبحوها بالرغم من عدم رغبتهم بذلك.

(فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا...)[5] أي اضربوا قطعه منها بالمقتول كي يحيى ويخبركم بقاتله فأخذوا بنو إسرائيل يبحثون عن بقرة بتلك الخصائص ولما وجدوها ذبحوها وألقوا دمها على القتيل فحيي وذكر أن القاتل كان ابن عمّه.

 


[1] سورة البقرة: آية 67.

[2] سورة البقرة: آية 68.

[3] سورة البقرة: آية 70.

[4] سورة البقرة: آية 71.

[5] سورة البقرة: آية 73.