ما زال تخبّط أهل الضلال يتبعثر هنا وهناك، بحثاً عن سوء ينسبوه إلى أهل البيت(عليهم السلام) وأتباعهم (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[1].
ورد في زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) المعروفة بزيارة وارث عبارة: «فَلَعَنَ اللهُ أمّة قَتَلَتْكَ، وَلَعَنَ اللهُ أمّة ظَلَمَتْكَ، وَلَعَنَ اللهُ أمّة سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ».
يعترض البعض على هذه العبارة بأنكم تلعنون أمّة كاملة، وهي أمّة محمد(صلى الله عليه وآله)، ومنهم العلماء والصلحاء والسادة والمؤمنون، فليست كلّ الأمّة قتلت الحسين(عليه السلام) فلِمَ هذا التعميم غير المبرّر؟
ولإثبات بطلان هذا الاعتراض، لابد أن نفرض السائل متوخياً للدقّة والعلم حتى تفارقه الشبهات فنقول: ليس في العبارة لعنٌ لأمّة نبيّنا محمد(صلى الله عليه وآله)، بل ورد اللعن في الزيارة هكذا «لَعَنَ اللهُ أمّةً قَتَلَتْكَ» وكلمة (الأمّة) هنا نكرة موصوفة، والمعنى لعَنَ الله الأمّة التي قتلتْك، ولم يردْ في الزيارة (لعن الله أمّة محمد(صلى الله عليه وآله) ولا ملازمة بين اللعن المتوجّه إلى الأمّة التي قتلت الإمام(عليه السلام) وأمّة محمد(صلى الله عليه وآله)، باعتبار أن معنى الأمّة في اللغة هي (جماعة من الناس أكثرهم من أَصل واحد، وتجمعهم صفات موروثة، ومصالح وأَمانيّ واحدة، أو يجمعهم أمر واحد من دين أو مكان أو زمان) كذا جاء في المعجم الوسيط، بل القرآن الكريم يعمّم المعنى حتى للحيوانات قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ)[2]، وكلّ جنس من السباع أمّة، جاء في بعض الطرق عن النبي(صلى الله عليه وآله): «لولا أن الكلاب أمّة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم»[3]، [4]، فالأمّة بمعنى الجماعة وعليه يكون معنى اللعن لعن الله جماعةً قتَلتْك، ولا يدلّ ولا يُشير هذا المعنى إلى توجّه اللعن إلى أمّة محمد(صلى الله عليه وآله) ولا محل لمثل هذا التوهم.
وربّما يُتوسّع السؤال بخصوص العبارة، فإنها تُعمـّـم اللعن إلى يومنا «وَلَعَنَ اللهُ أمّة سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ» فــإنّ عبارة (سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ) شاملة لكلّ إنسان إلى يوم القيامة وليس فقط القاتلين الفعليين ومن شاركهم في قتال الحسين عليه السلام.
وجواب هذا السؤال: أنّ من المعلوم أن كلّ من يؤذي الله تعالى، أو يؤذي نبيّه(صلى الله عليه وآله)، فإنّه يستحقّ اللعن وهذه حقيقة قرآنية نصَّ عليها القران الكريم (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً)[5].
وبالتأكيد أنّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يتأذّى بأذى ذرّيته التي أولاها تمام عنايته، لاسيمّا الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام)، وقد صرّح أنهما ريحانتاه من هذه الدنيا، وعليه فإن أذى الإمام الحسين(عليه السلام) بأيّ شكل من الإشكال حتى على مستوى الرضا بظلامته، أمرٌ يؤذي النبي(صلى الله عليه وآله) وهنا تأتي الآية الشريفة تتوعّدهم باللعن، لا في الدنيا فقط كما هو مفاد الزيارة الشريفة منطوقاً بل حتى الآخرة كما في الآية نصّاً.
مجلة ولاء الشباب العدد (30)