غالب الشباب اليوم أصابتهم شيخوخة من نوع فريد، فأعمارهم صغيرة، وقوتهم فتية، إلا أن طموحهم منكسر، وعزيمتهم غائبة، ورؤيتهم تائهة، ونظرتهم للمستقبل مظلمة قاتمة.
فتراهم وكأنهم قد بلغ بهم العمر أرذله، ونخرت الشيخوخة في عظامهم فأحنت ظهورهم، ونكست رؤوسهم، ورهّلت جفون عيونهم.
بالطبع فهؤلاء الشباب لا يقوون على الصمود أمام مشكلات الأيام، وعقبات الحياة وصعاب المواقف، فلا عجب عندئذ إذا رأينا الأمراض النفسية قد حاصرتهم، وقد أكل الاكتئاب بَسَمَاتِهم، وافترس اليأس نشاطهم وحيويتهم.
كيف تعامل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) مع الشباب؟:
رَبى النبي(صلى الله عليه وآله) جيلاً مؤمناً وملتزماً بمفاهيم وقيم الإسلام، وكان الغالب في هذا الجيل شريحةَ الشباب . فعادة ما يتفاعل الشباب مع كل جديد، وهم أكثر الناس تأثراً، وأسرعهم استجابة، وأشدهم تفاعلاً؛ بخلاف جيل الشيوخ الذين ـ في الغالب ـ ما يقفون حجر عثرة أمام أي تغيير أو إصلاح، وأشد الناس تمسكاً بالقديم، ورفضاً للحديث والجديد.
وكان للشباب دور رئيس في الالتفاف حول الرسول محمد(صلى الله عليه وآله)، ودعم ما جاء به النبي(صلى الله عليه وآله)، والدعوة إليه، والدفاع عنه.
كما كان للنبي (صلى الله عليه وآله)، اهتمام خاص برعاية الشباب وتربيتهم وإعدادهم لتحمل المسؤوليات الكبيرة.
من خلال تعامل النبي(صلى الله عليه وآله)، الحكيم مع الشباب استطاع أن يربي جيلاً مؤمناً وملتزماً بتعاليم وقيم الإسلام، وكان لهذه الطليعة المؤمنة ـ فيما بعد ـ دور مهم ومؤثر في التبليغ للإسلام، ونشر مفاهيمه وقيمه ومثله .
وهكذا، يجب على كل قائد ومصلح وزعيم أن يعمل على كسب الشباب، وتوظيف طاقاتهم الخلاقة فيما يخدم المجتمع والأمة، واستثمار مواهبهم الإبداعية في التطوير والتقدم؛ كما عمل الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، مع الشباب، فرسول الله، هو القدوة والأسوة، كما قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)[1].
ضياع الهدف:
وضوح الهدف هو الدافع الأول نحو العمل الإيجابي النافع، وهو المثير نحو التميز، والمشجع تجاه التقدم والتفوق والتسابق بل والفوز.
وإذا فقد الشاب هدفه، وجد نفسه في تيه لا يدري أوله من آخره، قد أحاطت به ظلمة مغيبة، فلا يكاد يرى طريقه، فهو يسير سير التائهين، ويتخبط بين الأقدام.
وقد يستغرب البعض من حديثنا عن فقدان الإيمان وغيبة الهدف لدى شباب أمة يكثر حديثها عن الإيمان في كل موطن، وينتشر حديثها عن الأمل والطموح في أدبياتها وأشعارها، بل وفي أحاديثها وأحلامها!
كما أن الكثيرين من شبابنا استبدل حاجاته بأهدافه، فصار سعيه في الحياة لجلب حاجاته فحسب، فذابت أهدافه ذوباناً لم يبق معه شيء منها، وطغت متطلباته فوسعت حياته بأجمعها، سواء في ذلك الأغنياء والفقراء!
أزمة الشباب:
هناك أزمة اجتماعية وثقافية حقيقية نعاني منها، لم نستطع معها تكوين بيئة مناسبة لتربية هؤلاء الشباب ونشوئهم نشأة صحيحة، على الرغم من حبنا الشديد لهم، وعلى الرغم من تضحياتنا الكبيرة لأجلهم، لكننا ولابد لنا أن نعترف بأنا نكاد أن نفقدهم في غمار هذا المعترك المضني مع تقلبات الحياة وصراعات أعداء الحق. يجب أن تكون لدينا تصورات واضحة تجاه هؤلاء القادمين، الذين سيتولون رغماً عنا دفة قيادة المجتمع عن قريب، كيف إذن سيكون شكل ذلك المجتمع مع هذا الكم الثقيل من اليأس والتيه وضعف الإيمان؟!
لازال الحديث حول الكسل الفكري وسنحاول تسليط الضوء على أهم الاسباب التي ادت إلى مثل هذا التراجع والضعف في شخصية الفرد والمجتمع الذي ادى إلى هذا الكسل والتيه الفكري والمعرفي في المجتمع.
أسباب الشيخوخة:
الأسباب وراء شيخوخة شبابنا كثيرة، لكن هناك سببان هما الأكثر تأثيراً، أولهما ضعف الإيمان، والآخر ضياع الهدف.
أولاً: ضعف الإيمان:
فالإيمان بالله - سبحانه - هو حياة القلوب والنفوس، وهو عمودها الصلب الذي يقيمها فلا تنكسر، ويثبتها في مواجهة الرياح من حولها.
والإيمان بالله - سبحانه - ينبت الشجاعة في قلوب الشباب، فيتلاشى خوفهم من المخلوقين، وينبت ثقتهم في أنفسهم؛ إذ يتوكلون على القوي العزيز، ويطرد اليأس؛ إذ الأمل دوماً في الله - سبحانه -.
فإذا آمن الناس بربهم واستقر الإيمان في قلوبهم هانت عليهم الخطوب، وصغرت في أعينهم الملمات الصعاب، وانتظروا اليسر بعد العسر، والمنحة بعد المحنة.
وإذا استحضروا مآلات الحياة، وعملوا بإخلاص لوجه ربهم المتعال، وجعلوا الآخرة نصب أعينهم، قويت شوكتهم في مواجهة الباطل، وتضاءلت أمامهم المطامع، وتألقت في أعينهم معاني العزة الإيمانية، وصاروا يتركون بصماتهم المضيئة المصلحة في كل مكان مروا به.
ثانياً: ضياع الهدف:
لقد خلق الله الانسان قادراً على صنع التاريخ وكرمة على سائر المخلوقات وسخر كل شىءفى الكون لخدمته، وَوجّه الله سبحانه وتعالى الإنسان إلى الأخذ بالأسباب فى طلب الرزق فقال تعالى (...فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[2]، فالأخذ بالأسباب سُنَّةٌ ربانية يجب علينا الاجتهاد فيها وليس الاعتماد عليها؛ لأن السبب لا ينفع ولايضر إلا بمشيئة الحق سبحانه وتعالى.
والمرء إذا فقد الهدف سيصبح حينئذ منفعلاً بالحياة لا فاعلاً فيها، والفشل لا يصيب الإنسان إلا بسبب عدم التخطيط أو الغفلة، أو البعد عن المنهج العلمي المبني على البصيرة، ولكي يتجنب الفشل في الحياة، ويحقق أهدافه، لابد له من مرشد يرشده في كل خطوة من خطواته.
لا شك أن فاقد الهدف يفقد الإرادة أيضاً، وفاقد الإرادة لا يملك خطة في الحياة، وفاقد الخطة سيكون بالتأكيد جزءاً من خطط الآخرين وآلة بأيديهم، ولن يتحكم بعد ذلك بمصيره، حيث أن غيره هو الذي ينوب عنه في قراراته عنه في اتخاذ القرار، وليس له إلا أن يرضخ لتلك القرارات، حسنة كانت أم سيئة، وغالباً ما تكون تلك القرارات في غير مصلحته.
أهمية تحديد الأهداف:
إن الإنسان الناجح هو الذي يسير ويتحرك ويتصرف ويتكلم وفق أهداف مرسومة مسبقاً، ويعمل على تحقيقها، أما الإنسان الذي ليس له أهداف فإنه سيبقى في مكانه. وأهمية تحديد الهدف تتضح أكثر إذا علمنا أن هذه العملية تؤثر على عقل الإنسان ويصبح بالتالي يسير نحو الهدف تلقائياً.
وختاما:
رؤية الانسان لنفسه وقدراته تُشَكّل حلقة الوصل مع رؤيته للحياة من حوله لتحديد أهدافه، ومحور رؤية الانسان لنفسه يقوده بداية للتعرف على نفسه، يحدد مواضع قوتها وضعفها، يعلم نفسه ما تحتاجه لتحقيق.
ليس تحديد الهدف هو السؤال الصعب، ولكن الرؤية التي سيتحدد عليها الهدف هي التي تتطلب جهداً واخلاصاً وصدقاً.
مما سبق يتضح لنا أن وجود هدف أو أهداف في حياتنا، هو الذي يجعلنا نعرف على وجه التقريب ما العمل الذي سنعمله غداً، كما أنه يساعد على أن نتحسس باستمرار الظروف والأوضاع المحيطة؛ مما يجعلنا في حالة دائمة من اليقظة، وفي حالة من الاقتدار على التكيّف المطلوب.