جدوى إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام)

كل موالٍ لأهل البيت (عليهم السلام) لا يشك أبداً في أن إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) ومنها عاشوراء وزيارة الاربعين واقامة الشعائر...الخ، لها فوائد جمّة للمجتمع، ولكن ألّا يمكن أن نُحيي بطريقة أخرى غير هذه الطرق المتعارفة؟ إذ إنّ إقامة الشعائر مثلاً لا ينحصر في البكاء واللطم، ولبس السواد فحسب! بل يشملها الجلسات العلمية أو عقد المؤتمرات أو الندوات وما شابهها، وفي ذلك تذكير للناس بما جرى على أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لاسيما الإمام الحسين (عليه السلام).

ورداً على الشبهة نقول: إنّ الجواب على هكذا شُبه يحتاج قليلاً من الالتفات والانتباه، ويحتاج منا ايضاً أن نرجع قليلاً إلى علم النفس، لنتعرف من خلاله على جانب بسيط من (النفس الإنسانية)، ولنرى هل أن العوامل التي تؤثر في السلوك الاختياري للإنسان تنحصر بالمعرفة فقط؟

فنحن ـ يا أخوتي ـ عندما نقوم بعمل ما نلاحظ أن هناك أمرين دفعانا إلى هذا العمل أو السلوك وهما:

الأمر الأول:

هو المعرفة أو العلم، أي بعد أن علمنا الفائدة من هذا العمل وأدركناها عقلاً أو تجربة أو ما شاكل ذلك من الطرق الأخرى، لكن ـ يا أخوتي ـ المعرفة وحدها ليست كافية لتحريكنا نحو أداء العمل المعين، بل هناك عامل آخر وهو: العواطف.

الأمر الثاني:

ويعبر عنه بـ (العواطف)، أو (الميول)، أو (الأحاسيس)، أو (الدوافع)، فهذه تساهم في تحريكنا نحو هذا الفعل أو السلوك المعين، سواء كان هذا العمل سياسياً أم اجتماعياً أم...الخ.

فتعالَوا معي -يا أعزائي- نطبق ما توصلنا إليه على قضيتنا التي هي محور الكلام، وهي: قضية إحياء أمر أهل البيت(عليهم السلام) لاسيما عاشوراء، فنقول: إن الدور المهم الذي أدته حركة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) في سعادة البشرية؛ وأنّها ميزت بين الحق والباطل، وكشفت زيغ الباطل وتجرّده عن كل القيم الإنسانية؛ فإنّ معرفتنا هذه لوحدها لا تحفزنا لأداء أعمال مشابهة للأعمال التي قام بها سيد الشهداء (عليه السلام)، بل إن هذه المعرفة تكون مؤثرة متى ما كان معها دافع يدفعنا نحو ذاك العمل، فالمؤتمرات والندوات والجلسات العلمية ممكن أن توفر لنا عنصر المعرفة فقط، لكننا نحتاج إلى عامل آخر كي تثمر تلك المعرفة.

والجواب سيتضح أكثر فيما لو عملنا مقارنة بين حادثة رأيناها رأي العين، وأخرى سمعنا بها فقط، كما لو سمعنا أن في مدينتنا شخصاً معدماً فقيراً، فهل سنتأثر كما لو كنا رأينا ذلك الفقير بملابسه الرثه القديمة، وبجسمه النحيف الشاحب، وعلامات الانكسار والحياء بادية على قسمات وجهه ماداً يده سائلاً العون من الناس؟

فالله تعالى خلق الإنسان بشكل تؤثر فيه المشاهدة أكثر من النقل والسماع، فإذا جسّدنا واقعة كربلاء بالطريقة المعروفة - كما نفعل اليوم من بكاء، ولطم، وانفعال العواطف ـ فإنّ هذا سيترك أثراً أعمق مما تتركه معرفة الواقعة والعلم بها فقط.

أيّها الأحبة: كلّنا نعلم بواقعة كربلاء ونعلم الكثير من تفاصيلها، ولكن أسألكم بالله: هل يكفي هذا العلم في اجراء دموعنا وبكائنا وظهور حزننا؟!

لكن انظروا عندما نحضر مجالس العزاء ويقرأ الخطيب جزءاً من الواقعة بحركاته، وسكناته، وتفاعله، فإننا وبلا اختيار نبدأ بالبكاء، كما لو أن أحدنا فقد أباه أو أخاه.