صلة الرحم

هناك عبادات شعائرية كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، وهناك عبادات تعاملية، ومن هذه العبادات التعاملية هي صلة الرحم؛ فإنّها عبادة جليلة، ومن أفضل ما يُتقرّب بها إلى الله تعالى، وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار، والتعطف عليهم والرفق بهم، والرعاية لأحوالهم وإن بعدوا وأساؤا، وقطع الرحم ضدّ ذلك، وأنّ أدنى عمل يقوم به المسلم لصلة أرحامه مع الإمكان والسهولة، هو أن يزورهم فيلتقي بهم، أو أن يتفقد أحوالهم بالسؤال، ولو من بعد[1].

حكم صلة الرحم

لا شك في كون صلة الرحم واجبة في الشريعة المقدسة على كلّ مسلم ومسلمة، لما لها من الآثار العجيبة على الفرد والمجتمع؛ لذا ورد دليل وجوبها في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ)[2] وقوله جلّ ذكره: (وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ والأَرْحامَ إِنَّ الله كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[3]. وغيرهما من الآيات، وفي السنة الشريفة، فقد حثّ الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام (سلام الله عليهم) على الالتزام بها، فقال(صلى الله عليه وآله): «مَن كانَ يُؤْمِنُ بالله واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»[4].

فضل صلة الرحم

قال نبيّنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله): «إنَّ أعجَلَ الخَيرِ ثَوابا صِلةُ الرَّحِم»[5].

قال (صلى الله عليه وآله): «صِلَةَ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ»[6]

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالتَّسْلِيمِ، يقول الله سبحانه وتعالى: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنَّ الله كان عليكم رقيبا)»[7].

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «صِلَةَ الرَّحِمِ تُهَوِّنُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ مَنْسَأَةٌ فِي الْعُمُرِ، وَتَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ؛ وَصَدَقَةُ اللَّيْلِ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ»[8].

قال أبو جعفر(عليه السلام): «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعرش تقول: اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي»[9].

عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «صِلَةُ الأرحامِ تُزَكّي الأعمال وَتُنْجى‌ الأموال وتَرْفَعُ البَلوى‌ وتُيَسَّرُ الحِسابُ وتُنسى‌ في الأجل»[10].

حُكم قطيعة الأرحام

قد نهى الله سبحانه وتعالى عن قطيعة الرحم، فقال في محكم كتابه الكريم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[11].

وقال الإمام علي(عليه السلام): «إنَّ أهلَ البَيتِ لَيَجتَمِعونَ ويَتَواسَونَ وهُم فَجَرَةٌ فَيَرزُقُهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وإنَّ أهلَ البَيتِ لَيَتَفَرَّقونَ ويَقطَعُ بَعضُهُم بَعضا فَيَحرِمُهُمُ اللهُ وهُم أتقِياءُ»[12].

وروي عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال: «فِي كِتَابِ عَلِيٍّ(عليه السلام): ثَلَاثُ خِصَالٍ لَا يَمُوتُ صَاحِبُهُنَّ أَبَداً حَتَّى يَرَى وَبَالَهُنَّ: الْبَغْيُ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ يُبَارِزُ اللهَ بِهَا، وَإِنَّ أَعْجَلَ الطَّاعَةِ ثَوَاباً لَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَإِنَّ الْقَوْمَ لَيَكُونُونَ فُجَّاراً فَيَتَوَاصَلُونَ فَتَنْمَى أَمْوَالُهُمْ وَيَبَرُّونَ فَتَزْدَادُ أَعْمَارُهُمْ، وَإِنَّ الْيَمِينَ الْكَاذِبَةَ وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ لَتذَرَانِ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ مِنْ أَهْلِهَا»[13].

تحرم قطيعة الرحم، حتى لو كان ذلك الرحم قاطعاً للصلة تاركاً للصلاة، أو شارباً للخمر، أو مستهيناً ببعض أحكام الدين، كخلع الحجاب وغير ذلك بحيث لا يجدي معه الوعظ والإرشاد والتنبيه بشرط أن لا تكون تلك الصلة موجبة لتأييده على فعل الحرام.

وقال أبو عبد الله(عليه السلام): «اِتَّقُوا الحالِقَةَ، فإنّها تُمِيتُ الرِّجالَ، قلتُ: وما الحالقةُ؟ قالَ: قَطيعَةُ الرَّحِمِ»[14].

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (56)

 


[1]  ينظر: الوافي، الفيض الكاشاني: ج5، ص503.

[2] الرعد: آية 21.

[3] النساء: آية 1.

[4] صحيح مسلم بن الحجاج: ج8، ص8.

[5] الكافي، الكليني: ج2، ص152.

[6] سلوة الحزين، قطب الدين الراوندي: ص125.

[7] الكافي، الكليني: ج2، ص155.

[8]  سلوة الحزين، قطب الدين الراوندي: ص126.

[9] روضة المتقين، محمد تقي المجلسي: ج9، ص411.

[10] المصدر السابق.

[11] محمد: آية22 – 23.

[12] بحار الأنوار، المجلسي: ج71، ص137.

[13] الكافي، الكليني: ج2، ص347.

[14] روضة المتقين، محمد تقي المجلسي: ج9، ص414.