نصيحة للخطباء وللطلبة

كان السيد أحمد القمّي الروحاني عالِماً مجتهداً وواعظاً مؤثراً، لأنّه كان متَّعظاً ـ كان مجلسه ليلة النصف من شعبان حيث كان يصادف زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه وحضور الزوّار من كلّ المحافظات وعلى اختلاف الأطياف إلى كربلاء المقدّسة وكان يرتقي المنبر في المدرسة الهندية وهي مدرسة علمية دينية فتمتلئ المدرسة بالعلماء والمدرّسين والخطباء والطلبة، وكان الحاضرون كلهم آذاناً صاغية له، وكأنّ على رؤوسهم الطير، لصدق كلامه، وبلاغة بيانه ـ.

حكي أنّ هذا العالِم الواعظ كان قد حضر مجلساً خاصّاً عُقد في طهران قد حضره جمهرة من الخطباء المشهورين في إيران يومذاك.

 فقال الخطيب ـ الذي دُعي ليصعد المنبر في ذلك المجلس ـ لزملائه الخطباء: إنّي مدعوّ لارتقاء المنبر في مجلس يحضره أناس من مختلف الطبقات، وربما يحضره أشخاص لم يحضروا مجلساً طيلة عمرهم أو لم يحضروا إلاّ مجلساً واحداً في السنة كيوم عاشوراء مثلاً. لذا أطلب منكم أن تشيروا عليّ في الموضوع الذي يتناسب طرحه في مجلسٍ كهذا؟.

فاقترح بعضهم: أن يتناول أصول الدين، واقترح آخرون: أن يتحدّث عن الأخلاق، واقترح غيرهم: أن يعلّمهم أحكام الصلاة ويرشدهم لوجوبها ومدى أهميّتها ـ فمن المفترض أن يوجد في مجلس عام كهذا أناس لا يصلّون ـ فعسى أن يهديهم الله ليصبحوا من المصلّين.

تكلّم الجميع وكلٌّ أدلى بدلوه إلاّ السيد أحمد القمّي فقد بقي ساكتاً. وعندما انتهوا أجمعهم، التفت الخطيب إلى السيد أحمد القمّي وقال له: السادة أعاظم أهل الفنّ والحضور موجودون وقد أشاروا عليك. قال الخطيب: ولكنّي أريد أن أعرف رأيك. قال السيد القمّي: كلّ الذي قالوه جيّد، ثم إنّك لا تريد أن ترتقي أكثر من منبر، ففيما اقترحوه الكفاية إذاً، فما الداعي للإضافة؟ ولكنّ الخطيب أصرّ على السيد طالباً رأيه ـ ولم يشتهر السيد يومذاك بكونه خطيباً من الدرجة الأولى، لكنّ إجابته كانت تكشف عن كونه كذلك ـ فقد قال له: في الواقع، ليس لديّ موضوع خاص أقترحه عليك أكثر مما اقترحه عليك الإخوة، فقد اقترح كلٌّ موضوعاً واستوعبه ذهنك وبحمد الله، ولكن أسألك أسئلة أوّلاً ثم أتقدّم إليك باقتراحي ـ وكان بإمكانه أن يطرح اقتراحه دون الحاجة إلى هذه الأسئلة ولكن أراد أن يهيّئه للموضوع ويجعل إجاباته من باب المقدّمات والإعداد النفسي ـ.

فسأله ـ من باب سؤال العارف ـ عن المكان الذي يقام فيه المجلس ثم عن مساحة الأرض التي يقوم عليها، وكميّة الحضور مثلاً، ثم طلب منه أن يصف له موقع المنبر والزاوية التي يوضع فيها- وكان يريد بذلك أن ترتسم صورة المجلس في ذهنه.

وهنا قال له: عندما تصعد المنبر وتبدأ بقراءة المقدمة وتفكّر في ترتيب الموضوع الذي وقع عليه اختيارك، تصوّر وأنت في تلك الحالة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس هناك أمامك آخذاً لحيته بيده ويشكو لله غربة دينه. جسّد هذه الصورة في ذهنك ثم انظر وأنت في تلك الحالة ماذا ستقول وكيف ستتكلم؟

نُقل عن ذلك الخطيب أنّه قال: عندما صعدت المنبر تراءى لي ذلك المنظر حقّاً، فقد امتلكني وهيمن عليَّ شعور بحضور الرسول (صلى الله عليه وآله) وأنّه يراني وينظر ما أقول وكيف أخدم دينه؛ ثم انتخبت موضوعاً وبدأت أتكلّم عنه، وكان لكلماتي تأثير معنويّ عظيم في الناس، وأنا أجزم أنّه لم يكن ليحصل لولا تأثير تلك الالتفاتة المعنوية  والإحساس بمراقبة النبي (صلى الله عليه وآله).