كانت حفيدة الرسول(صلى الله عليه وآله) في فجر الصبا آيةً في ذكائها وعبقريتها، فقد حفظت القرآن الكريم، كما حفظت أَحاديث جدّها الرسول (صلى الله عليه وآله) فيما يتعلّق بأَحكام الدين، وقواعد التربية، وأُصول الأَخلاق، وقد حفظت الخطاب التأريخي الخالد الذي أَلقته أُمّها سيّدة النساء فاطمة(عليها السلام) في (الجامع النبوي) احتجاجاً على أَبي بكر لتقمّصه للخلافة، ومصادرته لـ(فدك) التي أَنحلها إِيّاها أَبوها رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وقد روت خطبة أُمِّها التي أَلقتها على السيّدات من نساء المسلمين، حينما عُدنها في مرضها الذي توفّيت فيه، كما روت عنها كوكبة من الأَحاديث.
وقد ظهر من السيدة زَيْنَب (عليها السلام) ما يدل على علمها وفضلها وذلك في مواقع ومواقف:
منها: قيل لما كان العباس وزينب - وَلَدَا عليٍّ(عليهم السلام) - صغيرين، قال عليٌّ(عليه السلام) للعباس: قل: (واحد) فقال: واحد، فقال (قل: اثنان) قال: (استحي أَن أَقول باللِّسان الذي قلت واحد اثنان)، فقبّل علي(عليه السلام)
عينيه، ثم التفت إِلى زينب، وكانت على يساره والعباس عن يمينه، فقالت: يا أَبتاه أُتحِبُنَا؟ قال: (نعم يا بني، أَولادنا أَكبادنا) فقالت: (يا أَبتاه حُبّان لا يجتمعان في قلب المؤمن: حبُّ اللهِ، وحُبُّ الأَولاد، وإِن كان لابد لنا، فالشفقة لنا، والحب لله خالصاً، فازداد علي(عليه السلام) بهما حُبّاً)[1].
وإِذا تأمّل هذا الكلام المتأمل رأى فيه عِلْماً جَمّاً، فإِذا عرف صدوره من طفلة كزَيْنَب (عليها السلام) يوم ذاك، بانت له منزلتها في العلم والمعرفة.
وكان من فضلها واعتصامها بالله تعالى أَنّها قالت: (من أَراد أَن لا يكون الخلق شفعاؤه إِلى اللهِ فليحمده، أَلم تسمع إِلى قوله: سمع الله لمن حمده، فخَفِ اللهَ لقُدْرتهِ عَليك، واسْتَحِ منه لقربهِ منك)[2].
وما كان منها(عليها السلام): عندما رأت ابن أَخيها الإِمام السجاد(عليه السلام) -وهو إِمام الصبر ومعلمه- يجود بنفسه لما نظر إِلى أَهله كالأَضاحي مجزرين وبينهم ريحانة رسول الله(صلى الله عليه وآله) بحالة تنفطر لها السماوات، وتنشق الأَرض، وتخرُّ منه الجبال هدّاً، فقالت له تسلّيه وتصّبره قائلة: (مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وأخوتي، فوالله إن هذا لعهد من الله إلى جدّك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، أنهم يجمعون هذه الأعضاء المقطّعة، والجسوم المضرّجة، فيوارونها، وينصبون بهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يدرس اثره، ولا يمحى رسمه، على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر، وأشياع الضلال في محوه وتطميسه، فلا يزداد إلا علواً)[3].
وقد تحقق كل ما قالته (عليها السلام) مع أَنها أُمور غيبية لا يطلع عليها أَحد إِلا من كان مُلْهماً من الله تعالى.
وما كان منها (عليها السلام): ما أَشار إِليه الفاضل الدربندي وغيره: أَنها (عليها السلام) كانت تعلم علم المنايا والبلايا، بل جزم في (أَسراره) أَنها (صلوات الله عليها) أَفضل من مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وغيرهما من فضليات النساء، ومن نظر في (أَسرار الشهادة) رأى فيه من الاستنباطات والتحقيقات في حق زَيْنَب(صلوات الله عليها) ما هو أَكثر بكثير.
وما كان منها(عليها السلام): ممّا يدلّ على مزيد فضلها أَنّها كانت لها نيابة خاصة عن أَخيها الإِمام الحسين(عليه السلام) - في حال غيابه- فيرجع إِليها المسلمون في المسائل الشرعية، وروي: أَن الناس كانوا يرجعون إِليها في الحلال والحرام، حتى بَرئ الإِمام زين العابدين(عليه السلام) من مرضه[4].
ويكفي للتدليل على فضلها وسعة معارفها كان الإِمام زين العابدين(عليه السلام) يروي عنها، وكذلك كان يروي عنها عبد الله بن جعفر، والسيّدة فاطمة بنت الإِمام الحسين، وكان ابن عباس حبر الأُمّة كان يسألها عن بعض المسائل التي لا يهتدي لحلّها، كما روى عنها كوكبة من الأَخبار، وكان يعتزّ بالرواية عنها، ويقول: (حدّثتني عقيلتنا زَيْنَب بنت علي(عليه السلام))[5]، وقد روى عنها الخطاب التأريخي الذي أَلقته أُمّها سيّدة النساء فاطمة (عليها السلام) في جامع أَبيها (صلى الله عليه وآله).