تميزت مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) بتعدد أوجه النشاط العلمي والمعرفي، وإنها مدرسة متكاملة لا تستورد من المدارس الأخرى أي شيء يقوّم كيانها العلمي والمعرفي، بل هي كيان مستقل قائم بالقرآن الكريم، ومعارف الرسالة المحمدية، لذا تجد فيها التخصصات الدقيقة في المنقول والمعقول، وقد تجلى هذا المنهج في واقع العمل حتى إن المتابع يجد أن بعض أصحاب الأئمة(عليهم السلام) متخصصٌ بمسائل المعقول، والآخر بالحديث، والفقه، والتفسير، وإلى غير ذلك من التخصصات، والملفت للنظر في سيرة أصحابهم(عليهم السلام) هو التماشي مع الحالة العلمية؛ فالعِلم عندهم حياة لا يستأكلون به، بل يتعبدون بنقله وبثه إلى اهله؛ ومن أولئك الأصحاب المتخصصين، والذين يشار إليهم بالعطاء العلمي هو الصحابي الجليل: أبو محمد (حريز بن عبد الله) الأزدي الكوفي، والمشهور بـ(السجستاني).
وقد ورد فيه جملة من الأقوال أشهرها:
قول الشيخ الطوسي: (حريز بن عبد الله، ثقة، كوفي، سكن سجستان له كتب، منها: كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب النوادر، تعد كلها في الأصول)[1].
وذكره النجاشي بقوله: (حريز بن عبد الله السجستاني، أبو محمد الأزدي من أهل الكوفة، أكثر السفر والتجارة الى سجيتان فعرف بها...)[2].
وقد اشتهر بكتبه التي تعتبر أصول في موضوعها، وأكثر ما اشتهر به هو كتاب الصلاة، الذي رواه عن الإمامين الصادقين محمد بن علي وجعفر بن محمد(عليهما السلام).
لقد مَثّلَ حريز نموذجا للمعرفة الدقِّية ولازال كتابه في الصلاة مصدرا للباحثين في مسائل الفقه وقضاياه حتى ان رجلا مثل حماد بن عيسى حينما يسأله الإمام عن صلاته فيجيب الإمام بأنه يحفظ كتاب حريز في الصلاة، ومن رواياته:
1- عن أبي جعفر(عليه السلام): «وافصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم».
2- قال(عليه السلام): ذروة الأمر وسنامه وباب الأشياء ورضا الرَّحمن تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته، ثمَّ قال: إنَّ الله تبارك وتعالى يقول: (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) النساء: 80
المصدر: مجلة اليقين العدد (31)، الصفحة (11).