عفاف بنات الرسالة

جاء في قصة سبي نساء أهل البيت (عليهم السلام) ونساء أنصارهم، أن أم كلثوم (عليها السلام) قالت لعدو الله شمر: (إِذَا دَخَلْتَ بِنَا الْبَلَدَ (أي: الشام)، فَاحْمِلْنَا فِي دَرْبٍ قَلِيلِ النَّظَّارَةِ، وَتَقَدَّمْ إِلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجُوا هَذِهِ الرُّؤوسَ مِنْ بَيْنِ الْمَحَامِلِ، وَيُنَحُّونَا عَنْهَا، فَقَدْ خُزِينَا مِنْ كَثْرَةِ النَّظَرِ إِلَيْنَا، وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْحَالِ)[1].

حاولنا في هذه المقالة أن نجمع بين شيئين، بين ذكرى رجوع سبايا آل محمد(عليهم السلام) في يوم الأربعين إلى كربلاء (وهو اليوم العشرون من صفر، عام 61 للهجرة المباركة)، وبين الموعظة التي نُحِبُّ توجيهها لنسائنا وبناتنا، انطلاقاً من هذه الرواية، لأنّ الرواية تعطي ذات البعدين معاً، وما يهمّنا في الحقيقة هو البعد الثاني، بعد التذكير بالبعد الأول ولو إجمالاً، لأن جميع الأدوار الرسالية لثورة الإمام الحسين(عليه السلام) -بدءً من أول خطوة في طريق الثورة، وحتى رجوع السبايا إلى المدينة المنورة - كانت كلها عطاءً للإسلام والإنسانية، ومن أهم تلك الأدوار هو الدور النسوي الكبير، والذي كان له دور أساسي في ساحة المواجهة مع الظالمين، منذ تلك اللحظة التي اتخذ فيها إمامنا الحسين(عليه السلام) القرار المصيري في حمل نسائه معه في حركته الإصلاحية، وحتى ختامها بالشهادة والسبي.

 ولو تأمّلنا بالدور الذي تقمّصنَهُ بنات الرسالة لوجدناه دوراً رسالياً بالغاً في الشجاعة والعفاف، فأما الشجاعة فهاتيك الخطب والمواقف بين يديك، والتي تنبئك بالشجاعة العلوية، التي ظهرت على بنات الرسالة والوحي.

وأما العفّة فهي الصفة التي تميزت بها نساء أهل هذا البيت الطاهر (عليهم السلام) في ذلك الحال الصعب، فرغم كل البلايا والمصائب التي توالت عليهنَّ في مسيرة السبي مع الأعداء، تجدهن في شموخ وعفاف فاطمي، يعجز اللسان عن وصفه، فأم كلثوم (عليها السلام) والنسوة كُنَّ في حجاب شرعي كامل، لكن ومع ذلك كانت تطلب من عدو الله (شمر) أن يسلك بهنَّ الطرق الخالية من النظّارة، لأن العفاف والشرف رسالة ودين!

 وهذه هي الرسالة التي تريد سيدتنا أم كلثوم (عليها السلام) إيصالها إلى بناتنا ونسائنا اليوم، بأن لا يُطمِّعنَ الرجال بملابسهن، وزينتهن، وحركات أجسادهن، لأن المرأة عورة، وخيرٌ لها ألا ترى رجالاً، ولا يراها رجالٌ كما قالت سيدة العفاف والشرف فاطمة الزهراء (عليها السلام).

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (33)

 


[1] اللهوف على قتلى الطفوف: ص175.