نسمع أحياناً كلمات تحاول أن تغطي على سوءات التأريخ التي اقترنت بها بعض الشخصيات أو الفئات، فينشرون افتراءاتهم على السفهاء والجاهلين لإيهامهم في أمور الدين والعقيدة.
ومن تلك الأوهام والإشاعات أن الذين قتلوا الإمام الحسين (عليه السلام) هم من الشيعة، مظللين العقول أن الكوفة مدينة مصنفة على الشيعة، وأغلب جيش يزيد من الكوفيين.
وهذه شبهة يمكن أن تغرر بعقول الجهلة غير المطلعين على ظروف قضية الإمام الحسين (عليه السلام) وتفاصيل شهادته، وهي طعن واضح بالمذهب الشيعي.
نقول إن واقع الأمر خلاف ذلك، وإن القتلة الظالمين قادةً وجنوداً كانوا أعداءً للإمام الحسين (عليه السلام)، ومن أتباع يزيد بن معاوية.
كيف والإمام الحسين قد صرّح بذلك أمام الموالف والمخالف يوم عاشوراء، وكشف هويتهم أمام العرب والعجم حيث خاطبهم بقوله: «وَيْلَكُمْ يَا شِيعَةَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وكُنْتُمْ لَا تَخَافُونَ الْمَعَادَ فَكُونُوا أَحْرَاراً فِي دُنْيَاكُم»[1].
فالإمام الحسين (عليه السلام) يُعرّفهم أنهم شيعة آل أبي سفيان، وهذه العائلة معروفة ومشهورة بعدائهم لأهل البيت (عليهم السلام).
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، أن هؤلاء القتلة لو كانوا من الشيعة لوجدنا ذكرهم في كتب الشيعة التأريخية أو التراجم وكتب الرجال، فإن للشيعة مصنفات في الرجال الذين كانوا يُحسَبون على الولاء والتشيع لأهل البيت (عليهم السلام)، بل دقّقوا وصنفوا الأسماء حسب درجة الوثاقة والضبط والجهد في خدمة الدين، بل ذكروا حتى الضعيف والمجهول، كل ذلك ليبقى المذهب نظيفاً نقياً من الشبهات والانحراف الفكري والعقائدي.
ومن جهة ثالثة، نقول هناك وهم في مسألة الولاء والتشيع، وهو أن البعض يتصوّر أن كل من كان تحت إمرة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد مقتل عثمان هو شيعي ومن الموالين له (عليه السلام)، والحقيقة أن ذلك لا يدل على أنهم شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمعنى الذي يحسبون عليه مذهبياً، بل إن طاعتهم وصلاتهم خلفه باعتباره الخليفة الرسمي للمسلمين حاله حال الثلاثة السابقين، وليس للعقيدة بأنه إمام معصوم مفترض الطاعة، ولم يكن ثمة ولاء لهذا المنصب الخاص، إلا للقلّة من الصحابة.
ووفق هذا المعنى قام أهل الكوفة بإرسال الرسائل إلى الإمام الحسين(عليه السلام) يستقدمونه إلى الكوفة، وهذا لا يدل على أنهم شيعة له(عليه السلام)، بل لأنهم كانو يعتبرونه سبط النبي(صلى الله عليه وآله) وكان معارضاً للدولة الأموية، ولم يجدوا طريقاً آخر للتخلص من ظلم بني أمية وانتهاكهم لحرمات الله تعالى وتضييعهم للسنن؛ غير هذا الثائر الذي لم يعرفوا عنه غير الدين وحسن السيرة، فمن هذه الجهة اعتبروه المخلّص الوحيد لما يسومهم يزيد من العذاب، لا باعتبار أنه إمام من الأئمة الاثني عشر، وأنه معصوم وأنه هو أحق بالخلافة من غيره.
وجهة رابعة: روى هلال بن نافع قال: «إني لواقف مع أصحاب عمر بن سعد - حين قتل الحسين (عليه السلام) ـ فسمعت رجلاً يقول لا تذوق الماء حتى ترد الحامية؛ فتشرب من حميمها فسمعته يقول أنا أرد الحامية؛ فأشرب من حميمها؟ بل أرد على جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأسكن معه في داره»[2].
فهل هذا الكلام يصدر من شيعي تجاه إمامه؟
أي عاقل يصدّق أن الذي يقول لشخص مقتول يجود بنفسه (لا تذوق الماء حتى ترد الحامية) أنه يعد من شيعته ومواليه؟ إن هذا أمر مضحك للثكلى.
الجهة الخامسة، لا نريد أن نقول أن الكوفة كانت خالية من الشيعة، إلا أن الشيعة كانوا أقلية بنسبة (1-7)، مقسمون على السجون والتهجير والقتل، وبقيت القلة القليلة التي أدركت الإمام الحسين (عليه السلام) وقاتلت دونه.
الخلاصة من كل هذا لا يُعقل أن يقتل الشيعة إماماً من أئمتهم، بل لا يُعقل انتهاك شيء من العناوين المتعلقة بأهل البيت (عليهم السلام) وإلا فلا تصح نسبة ذلك الفاعل إلى التشيع، مثلما عند المسلمين أن من سبّ النبي (صلى الله عليه وآله) فهو ليس بمسلم فكيف بالقتل وانتهاك الحرمات؟
مجلة ولاء الشباب العدد (65)