غير مهملين لمراعاتكم

أول من برز من العلماء الأعلام في بداية الغَيبة الكبرى واستلم قيادة المرجعية الدينية هو الشيخ الفقيه الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني، ثم أبن الجنيد أبو علي محمد بن أحمد الإسكافي، ثم بعد ذلك بسنوات لمع نجم الشيخ المفيد ببغداد حيث أسس الحوزة العلمية هناك وكان يحضر مجلس درسه العشرات من العلماء والفضلاء من أمثال السيدان الشريف الرضي والشريف المرتضى.

ولقد كان الشيخ المفيد (قدس سره) محل عناية الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ورعايته كما هو واضح من الرسالتين اللتين بعثهما إليه وأشار فيهما إلى ذلك بالقول:

(للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد، أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد . بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد: سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ونعلمك - أدام الله توفيقك لنصرة الحق، وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق - : أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك، أعزهم الله بطاعته، وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته، فقف أيدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه على ما أذكره، وأعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله.

نحن وإن كنا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علما بأنبائكم، ولا يعزب عنا شئ من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون . أنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء، أو اصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حم أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف حركتنا، ومباثتكم بأمرنا ونهينا، والله متم نوره ولو كره المشركون...) [1].

وبعد الشيخ المفيد جاء دور شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي الذي كان على يديه تأسيس الحوزة العلمية في النجف الأشرف التي ما تزال تشع أنوارها حتى زماننا الحاضر.

اللّهم إنّا نسألك أن تأذن لوليك في إظهار عدلك في عبادك، وقتل أعدائك في بلادك، حتّى لا تدع للجور يا ربّ دعامة إلا قصمتها، ولا بقيّة إلا أفنيتها، ولا قوّة إلا أوهنتها، ولا ركناً إلا هدمته، ولا حدّاً إلا فللته، ولا سلاحاً إلا أكللته، ولا راية إلا نكّستها، ولا شجاعاً إلا قتلته، ولا جيشاً إلا خذلته...، وعذّب أعداءك وأعداء وليّك وأعداء رسولك صلواتُك عليه وآله، بيد وليك وأيدي عبادك المؤمنين.

 

والحمدُ لله ربِّ العالمين

وسلامٌ على عبـاده

الذيـن اصطفى

محمـد وآله الطاهرين.

 


[1]  تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: ج1، ص38.