عدم تحديد وقت الظهور

قد يدّعي البعض أنه بالإمكان التوقيت لظهور الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، ولكن من خلال البحث ودراسة الأدلة الشرعية، نجد أن النهي عن التوقيت من الأمور التي ورد التأكيد عليها في كثير من الروايات، وإحالته إلى الله سبحانه وتعالى، ويستفاد من بعض الأخبار تكذيب من وَقّتَ لظهوره وقتاً معيناً؛ لأن ذلك سر من أسرار الله سبحانه وتعالى،وأن من وَقّتَ له (عليه السلام) وقتاً فقد شارك الله في علمه، فعن محمد بن المفضل قال سالت سيدي أبا عبد الله الصادق (عليه السلام): يا مولاي فلا يوقت له وقت ؟ قال (عليه السلام): (...يا مفضل لا توقت فمن وَقّتَ لمهدينا وقتاً فقد شارك الله في علمه وادعى انه يظهره على امره..)[1].

  والحكمة الإلهية اقتضت أن يكون وقت الظهور مجهولاً ومكتوماً عن الناس، كخفاء الأمور الأخرى، مثل ليلة القدر، أو وقت الموت، وإخفاء وقت ظهوره (عليه السلام)، يتضح لنا ذلك من الآتي: جاء في التوقيع الصادر عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) بواسطة النائب الثاني محمد بن عثمان العمري: (..وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله تعالى ذكره وكذب الوقّاتون)[2]، وجاء في توقيع الناحية المقدسة بواسطة النائب الرابع علي بن محمد السمريَّ: (... فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى..)[3]، وعن محمّد بن مسلم، قال: قال أبو عبد الله (الصادق) (عليه السلام) (يا محمّد، مَن أخبركَ عنّا توقيتاً، فلا تهابَنَّ أن تُكذّبه، فإنّا لا نُوَقِّت لأحدٍ وقتاً)[4].

  وروى النعماني بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: ( جعلت فداك، متى خروج القائم (عليه السلام)؟ فقال (عليه السلام): (يا أبا محمّد، إنّا أهل البيت لا نوقّت، وقد قال – النبي- محمّد (صلى الله عليه وآله): كذب الوقّاتون يا أبا محمّد، إنّ قدّام هذا الأمر خمس علامات، أوّلهنّ : النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكيّة، وخسف بالبيداء)[5].

وعن الفُضَيل بن يسار، قال: سألتُ أبا جعفر (الباقر) (عليه السلام): هل لهذا الأمر وقت ؟ فقال (عليه السلام): (كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون..)[6].

وعن عبد الرحمن بن كثير قال : كنت عند أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام) إذ دخل عليه مهزم الأسدي فقال: أخبرني جعلت فداك متى هذا الامر الذي تنتظرونه ؟ فقد طال، فقال (عليه السلام): (يا مهزم كذب الوقاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلِّمُون، وإلينا يصيرون)[7].

قد يقول قائل: إن هناك فرقاً، بين أن يكون التوقيت منسوباً لأهل البيت (عليهم السلام)، أو منسوباً لغيرهم (أفراد عاديـين ممن ليسوا من أهل العصمة)، وأن التوقيت المأمورين بتكذيبه في أخبارهم (عليهم السلام)، هو المنسوب لهم فقط؟! فيجاب على هذا القول أو الاحتمال: بعدم ورود شيء من الأدلة المشيرة إلى ذلك في أخبارهم (عليهم السلام)، فتبقى أدلة المنع على عمومها في شمولها للمنع من صدور التوقيت منهم (عليهم السلام) أو من سائر الناس عموماً، وعليه فيكون التوقيت المأمورون بتكذيبه سواءً نسب إلى أهل البيت (عليهم السلام) أو إلى سائر الناس إعمالاً للعموم المستفاد من خبر الفضيل وغيره من الأخبار.

 


[1] الهداية الكبرى للخصيبي:ص392.

[2] كمال الدين وتمام النعمة للصدوق:ص484.

[3] كمال الدين وتمام النعمة:ص516.

[4] الغَيبة للنعماني: ص300.

[5] الغَيبة للنعماني:ص301.

[6] الكافي للكليني:ج1، ص368.

[7] الغَيبة للشيخ الطوسي:ص426.