مناظرة هشام بن الحكم في مجلس يزيد

قال هارون الرشيد لجعفر بن يحيى البرمكي: إني أحبّ أن أسمع كلام المتكلمين من حيث لا يعلمون بمكاني؛ فيحتج بعضهم على بعض بما يريدون، فأمر جعفر المتكلّمين فأُحضروا في داره، وصار هارون في مجلس متوارٍ عنهم، وغصّ المجلس بأهله ينتظرون هشام بن الحكم، فدخل عليهم هشام وعليه قميص إلى الركبة، وسراويل إلى نصف الساق، فسلّم على الجميع ولم يخصّ جعفرا بشيء.

فقال له رجل من القوم: لمَ فضّلت علياً على أبي بكر، والله يقول: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا)[1].

فقال هشام للرجل: فأخبرني عن حزنه في ذلك الوقت، أكان لله رضا أم غير رضا؟ فسكت الرجل!

فقال هشام: إن زعمت أنه كان لله رضا فلمَ نهاه رسولُ الله(صلى الله عليه وآله) فقال: (لا تحزن)؟ أَنَهاه عن طاعة الله ورضاه؟ وإن زعمت أنه كان لله غير رضا، فلمَ تفتخر بشيء كان لله غير رضا؟ وقد علمت ما قال الله تبارك وتعالى حين قال: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْـمُؤْمِنِينَ)[2].

ومع كونكم قلتم وقلنا وقالت العامّة: الجنة اشتاقت إلى أربعة نفر: إلى علي بن أبي طالب(عليه السلام)، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وأبي ذر الغفاري[3]، فأرى صاحبنا ـ أمير المؤمنين(عليه السلام) ـ قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة، وتخلّف عنها صاحبكم ـ أبو بكر ـ! ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة.

وقلتم وقلنا وقالت العامّة: إن الذابّين عن الإسلام أربعة نفر: علي بن أبي طالب(عليه السلام)، والزبير بن العوام، وأبو دجانة الأنصاري، وسلمان الفارسي، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلف عنها صاحبكم، ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة.

وقلتم وقلنا وقالت العامة: إن القرّاء أربعة نفر: علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة، وتخلّف عنها صاحبكم، ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة.

وقلتم وقلنا وقالت العامّة: إنّ المطهّرين من السّماء أربعة نفر: عليّ ابن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلّف عنها صاحبكم، ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة.

وقلتم وقلنا وقالت العامّة: إن الأبرار أربعة: عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلّف عنها صاحبكم، ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة.

وقلتم وقلنا وقالت العامّة أيضاً: إنّ الشّهداء أربعة نفر: عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وجعفر وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة، وتخلّف عنها صاحبكم، ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة.

فلمْ يسرّه هارون الرشيد ما سمع وأغاظه، فحرّك السّتر ـ كإشارة منه لجعفر البرمكي لإنهاء النقاش وإخراج النّاس ـ عندها أمر جعفر النّاس بالخروج، فخرجوا مرعوبين، وخرج هارون من مخبأه إلى المجلس.

فقال هارون الرّشيد لحفظ ماء وجهه أمام جعفر البرمكي مع علمه بهشام ومعرفته به: من هذا فو الله لقد هممت بقتله وإحراقه بالنار[4].[5]

مجلة اليقين، العدد (58)، الصفحة (8 - 9).

 


[1] سورة التوبة: آية 40.

[2] سورة التوبة: آية 26.

[3] المعجم الكبير للطبراني: ج 6، ص 263.

[4] الاختصاص للشيخ المفيد: ص 96، بحار الأنوار للمجلسي: ج 10، ص 297.

[5] مناظرات في الإمامة، الشيخ عبد الله الحسن: ص140.