أخذتْ الأبَ الصدمةُ عندما علِم أنّ وَلَدَه يتعاطى التدخين من دون علمه, وشاهد كيف يُخرِج الابن علبة التدخين ويضعها أمامه مفتخراً بكونه قد صار رجلاً يحق له إن يمارسَ ما يمارسه الرجال!
وبدأ الأب بالبحث عن طريقة يبدأ فيها بنصيحة ابنه للكف عن هذا العمل, لكنّه كان متردّدا كيف يبدأ الكلام وينصح ابنه بعدم التدخين وهو يمارس التدخين في نفس الوقت.
هل يقول له أنّه قد أخطأ وسيكفّر عن هذا الخطأ بتركه أم يقول له إنه مضطر للتدخين وحكمه مختلف عنه ما دام الولد ليس معتادا على التدخين وبالتالي يمكنه الترك بسهولة.
وبينما الأب شارد الذهن لا يعرف كيف يبدأ الكلام بادره الابن وهو يحرك علبة التدخين قائلا:
ما رأيك بهذا النوع هل تدخن منه أم تدخن نوعا آخر ؟
شعر الأب بالإحراج ؛لأنه لا يجد طريقا للتعبير عن رغبته في الكلام عن رفضه لهذا الأمر في الوقت الذي يمارسه بنفسه.
أحس الولد بالإحراج الذي تسبب فيه من خلال السؤال عن نوعية التدخين, وأراد أن يخفف من ضغط الإحراج فسال قائلا: إذا أردت أن أدخن فهل يوجد ما يمنع ذلك شرعا ؟
شعر الأب أن المسالة لم تختلف كثيرا ؛لأن السؤال عن هذا الأمر لا يتخلف من حيث الإحراج عن السؤال السابق ؛لأنه إن قال: إن التدخين حرام ,فقد اعترف بارتكابه الحرام ,وان قال: إن التدخين حلال ,فقد فتح الطريق أمام ولده ليمارسه من دون إحراج كما يمارسه هو.
ثم بدأ يكشف عن نفسه بعض الإحراج وقال :
إن التدخين قد يكون محرما كما يراه بعض العلماء ,وقد يكون غير محرم كما يراه بعض آخر ، وفي الحالتين إن استطاع الإنسان الاستغناء عنه فلماذا يبقى ملتصقا به وهو قادر على تركه !؟
فعاد الابن إلى السؤال: ماذا عن زماننا هذا وكيف ينظر العلماء إلى هذا الأمر ؟
فقال الأب: أما الآن فقد وضع العلماء ضابطة للوقوف على حكم التدخين ألا وهي النظر إلى حالة الضرر التي تحدثها عملية ممارسة التدخين في المستقبل.
فرد الابن:هل هذا حكم للمبتدئ والمعتاد ؟
فأجاب الأب بعد أن ذهب منه الإحراج شيئا فشيئا بقوله:
كلا إنما يحرم التدخين على المبتدئ إذا كان يلحق به ضرراً بليغاً ، ولو في المستقبل ، سواء أكان الضرر البليغ معلوماََ أو مظنوناً أو محتملاً بدرجة يصدق معه الخوف عند العقلاء ، وأما مع الأمن من الضرر البليغ ولو من جهة عدم الإكثار منه فلا بأس به.
أما المعتاد على التدخين فإذا كان الاستمرار عليه يلحق به ضرراً بليغاً لزمه الإقلاع، إلاّ إذا كان يتضرّر بتركه ضرراً مماثلاً لضرر الاستمرار عليه، أو أشدّ من ذلك الضرر، أو كان يجد حرجاً كبيراً في الإقلاع عنه بحدّ لا يتحمّل عادة.
نظر الابن إلى الأب مبتسما واخذ يفتح العلبة ,وظن الأب أن ولده سيقوم بممارسة التدخين بعد سماعه لهذا الكلام وفعلا فتح الولد العلبة فتبين أنها كانت خالية.
فقال الأب :هل العلبة انتهت وأنت لا تدري ؟
فرد الابن: كلّا إنها فارغة من البداية، فأنا كنت أريد معرفة حكم التدخين وأخذت علبة فارغة من علبك وأردت أن أعرف منك حكم التدخين ؛لأن أصحابي يريدون مني أن أدخن ,فما هو رأيك هل أصبح مثلك مدخنا أم تصبح مثلي ؟
فرد الأب: كلا أنا مارست التدخين ولا أجد حرجاََ الآن في تركه وأريدك أن تكون مثلي تترك ما تشعر أنه ليس بضروري وأنا قررت أن أصبح مثلك فلا ترجع إلى التفكير بالتدخين.