شهر رمضان وصلة الأرحام

حَثَّ الدين الإسلامي على ضرورة صلة الأرحام، قال تعالى: (...وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ... )[1].

وقال عز وجل: (...اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[2].

وجاء عن مولانا الصادق(عليه السلام) عَنْ آبَائِهِ(عليهم السلام)، عَنِ النَّبِيِّ(صلى الله عليه وآله) ـ فِي حَدِيثِ الْمَنَاهِي ـ قَالَ: (وَ مَنْ مَشَى إِلَى ذِي قَرَابَةٍ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ لِيَصِلَ رَحِمَهُ، أَعْطَاهُ الله عَزَّ وجَلَّ أَجْرَ مِائَةِ شَهِيدٍ، ولَهُ بِكلّ خُطْوَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ حَسَنَةٍ، ومُحِيَ عَنْهُ أَرْبَعُونَ أَلْفَ سَيِّئَةٍ، ورُفِعَ لَهُ مِنَ الدَّرَجَاتِ مِثْلُ ذَلِكَ، وكَانَ كَأَنَّمَا عَبَدَ الله عَزَّ وجَلَّ مِائَةَ سَنَةٍ صَابِراً مُحْتَسِباً)[3].

هذا فضلاً عن الآثار الاجتماعية والنفسية لصلة الأرحام أبرزها: التلاحم الأسري والعائلي، والشعور بالراحة النفسية، وهو ما ينعكس إيجاباً في صناعة أجواء اجتماعية متماسكة.

وفي المقابل فإن قطيعة الرحم لها آثارها السلبية السيئة بالاتجاه المعاكس، لذا ورد النهي عن قطيعة الأرحام في الشريعة المقدسة قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)[4].

وعن نبيّنا الكريم (صلى الله عليه وآله): «ثَلاثةٌ لا يَدخُلُونَ الجَنَّةَ: مُدمِنُ خَمرٍ، ومُدمِنُ سِحرٍ، وقاطِعُ رَحِمٍ»[5].

هذا باختصار بالنسبة الى صلة الرحم بصورة عامة، أما خصوص شهر رمضان المبارك فتتأكّد فيه الطاعات ويشتدّ فيه النهي والمنع عن المحرّمات من الذنوب والآثام، فينبغي للمؤمنين التركيز على هذه الطاعة، وتجاوز كلّ ما قد يؤدّي إلى القطيعة والتدابر، فهذا الشهر المبارك فرصة سانحة لصلة الأرحام، وتقوية الأواصر العائلية، وحل الخلافات بالتواصل والتزاور، والمبادرات الأسرية والعائلية مطلوبة بنفسها فكيف بها في شهر الله وشهر الطاعة، فدعوة على إفطار تزيل الكثير من الشحناء والبغضاء في حال وجود خلافات، وترطب أجواء الوفاق، وتقوي اللحمة العائلية في حال عدم وجود خلافات داخلية.

فينبغي على الصائم إحداث تغيير حقيقي في التواصل العائلي في هذا الشهر، دون أن تشغله الهموم والأعمال اليومية عن وصل الأقارب والأرحام، وأقل ما تصدق عليه الصلة هو السلام، ورد ذلك عن النبي(صلى الله عليه وآله): «صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالتَّسْلِيمِ»[6].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «صِلْ رَحِمَكَ وَلَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ، وَأَفْضَلُ مَا تُوصَلُ بِهِ الرَّحِمُ كَفُّ الْأَذى عَنْهَا»[7].

أقول: باتَتْ الأُسَر في مجتمعنا اليوم -نتيجة للفهم الخاطئ للحياة- تعاني من عدم التماسك وتشتّت الأهداف في الأسرة الواحدة، والاختيارات الخاطئة، فليس مثل شهر رمضان لتعود العائلة المسلمة إلى الالتئام والتوافق وتوحيد الجهود والتعاون لقيام حياة أسرية بنّاءة وفعّالة في المجتمع، والتغيير نحو غد مشرق معطاء، وهو تغيير مطلوب في ظل إرهاصات الابتعاد والتقاطع التي تعصف بمجتمعنا اليوم.

 المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (28)

 


[1] الأنفال: 75.

[2] النساء: 1.

[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي:ج9، ص412.

[4] محمد: 22.

[5] الخصال، الشيخ الصدوق: ج 1، ص 179.

[6] الكافي، الشيخ الكلّيني: ج 3، ص 398.

[7] نفس المصدر: ج 2، ص 159.