ثورة المدينة

لم يكن من اليسير على السيدة زَيْنَب بأن تعود إلى مدينة جدها(صلى الله عليه وآله) وقد تركت أخاها وأهل بيتها(عليهم السلام) مجزرين كالأضاحي على رمضاء كربلاء، هذه المدينة التي كانت تنير بأنوارهم، واليوم عادت حزينة وقد انهكتها تلك الرحلة الطويلة التي استمرت طيلة سبعة أشهر، حيث خرجت من المدينة مع أخيها الحسين أواخر شهر رجب وعادت بعد انتهاء شهر صفر، وفرق كبير بين موكب خروجها المهيب من المدينة يحيط بها أخوتها وأبناؤها وأبناء أخوتها ورجالات عشيرتها، وبين قافلة الأسر التي عادت  مثكولةً بنياح  الأرامل المفجوعات بفقد الأحبة.

لذلك ما إن دخل الركب أبواب المدينة، حتى هرعت السيدة زينب(عليها السلام) إلى مسجد جدها رسول الله(صلى الله عليه وآله) حيث مثواه الأقدس، وأخذت بعضادتي باب المسجد منادية: (يا جداه، إني ناعية إليك أخي الحسين)[1].

عاشت في المدينة تتحدّث عن آلام کربلاء وشعارات الحسين(عليه السلام)، إلى أن غادرت الحياة، فكانت(عليها السلام) في كل يوم في المدينة المنورة تذكير جماهير الأمة بمظلومية الحسين وأهل بيته(عليهم السلام)، وتخليد المأساة العظيمة في كربلاء، لتُؤجج بذلك العواطف وتُلهب المشاعر، وتحرّض الناس على الحكم الفاسد الظالم.

ويذكر السيد الشريف يحيى بن الحسن من أحفاد الإمام زين العابدين علي بن الحسين(عليه السلام)، وهو المعروف بالعبيدلي النسابة (214 هـ - 277 هـ) (829 م -890 م) في رسالته المشهورة (أخبار الزينبيات) يذكر فيها: (أنّ السيدة زَيْنَب(عليها السلام) وهي بالمدينة كانت تؤلّب الناس على القيام بأخذ ثار الحسين(عليه السلام)، فكتب والي المدينة عمرو بن سعيد الأشدق إلى يزيد يُعلِمه بالخبر، فأتاه كتاب يزيد يأمره أن يُفرّق بينها وبين الناس، فأمرها الوالي بالخروج من المدينة)[2].

لقد أشعلت السيدة زَيْنَب الثورة وفجرتها في المدينة ضد الحكم الأموي، فكان لها دور المحرك للثورة التي عمت المدينة المنورة سنة (63هـ) حيث تمرد أهل المدينة على الحكم الأموي، وطردوا واليه، وجميع بني أمية، وبايعوا عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، فبعث يزيد إلى المدينة جيشاً ضخماً يبلغ (12 ألفاً) بقيادة مسلم بن عقبة، فقضى على التمرد وسيطر على المدينة، وأباح مسلم المدينة ثلاثاً لجيشه يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال، ودعا مسلم الناس إلى البيعة ليزيد على أنهم خول - أي عبيد - له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهلهم ما شاء، فمن امتنع من ذلك قتله ،وعرفت الواقعة باسم (واقعة الحرة) والتي حصلت لليلتين بقيتا من ذي الحجة، وعرف مسلم بن عقبة بعد الواقعة باسم مسرف)[3].

 


[1]  مقتل الحسين، عبد الرزاق المقرم: ص376، تاريخ الطبري: ج6، ص366، الكامل في التاريخ، ابن الأثير: ج3، ص300.

[2]  أخبار الزينبيات، العبيدلي، مطبوع ضمن مجلة (الموسم): العدد 4.

[3]  الكامل في التاريخ، ابن الأثير: ج4، ص120.