يا كربلاء، وأنتِ تلك الشجرة الطيبة، أصلكِ ثابت في العقول، وفرعكِ في قلوب المؤمنين، تُورق في أعماقهم أغصان الكرامة والعز للإنسان، وتُثمر في قلوبهم الحب والمودّة، تلك التي حكى عنها فاطر السماوات والأرض (ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ الله عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ * قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ * وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ)[1]، يا كربلاء، أنت الشجرة الطيبة، (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون)[2].
وذلك الإنسان الجديد، الذي نراه أيام كربلاء، هو ثمرة من ثمار فرع شجرة كربلاء، هو فعلاً إنسان جديد، من صناعة كربلاء، بالأمس كان يتشاجر مع زوجته، على ملوحةٍ بسيطة في طعامٍ أعدّته له، ويصيح، ويعاتب، ويُعيب، لأن الأكل كان سيئاً، ولكنّه حين يسير إلى كربلاء، يتناول ما تعدّه مواكب الحسين(عليه السلام) من مختلف أصناف الطعام في ذهولٍ تام عن نوعيّته، أو طريقة طبخه، أو أنه كان مالحاً أو غير ذلك، بل يأكله هنيئاً مريئاً، لأنه (زاد أبو علي) وإنسان مواكب الخدمة، أيضاً ثمرة أخرى من ثمار شجرة كربلاء، فهو يفضّل زوار الإمام الحسين(عليه السلام) على أبنائه وعائلته، ذلك الإنسان، يقضي سنةً كاملة وهو يدّخر المال لينفقه أيام كربلاء، وهو في غاية الفرح والسرور، لأنه يقرض الله قرضاً حسناً، ويدخر عند الحسين(عليه السلام) أجراً جماً.
نعم هذه زيارة الأربعين التي تغيرنا وتكسونا أجمل الأخلاق والسجايا، وموسمها هو موسم العطاء، الذي أخرجنا من شحّ أنفسنا، فجعلنا معتادين على البذل في سبيل الله، وهذا إنسان كربلاء، (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)[3].
مجلة ولاء الشباب العدد (33)