بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين.
الحج رسالة إلهية ذات أبعاد عظيمة، تنفتح على عالم الروح والعبادة والمعرفة والاجتماع والسياسة والاقتصاد، وهي فريضة اختزلت في حاقها كل العبادات، وتجمعت فيها عوامل التوبة والاستغفار والإنابة لله تعالى قلّما تجدها في غيرها من الفرائض والسنن، وقد انطوت تحتها معانٍ إلهية تنفتح على عالم من المعرفة والتأمل في خطوات وحركات تلك المناسك الإلهية العظيمة.
وهي رسالة لذلك الإنسان المنغمس في ملذات عالم الماديات والتكنولوجيا والحداثة، ليهاجر إلى عرصات تلك المناسك والمشاعر المقدسة، ويعيش لحظات الموت والحشر والحساب، والتي تبتدأ في خلع الثياب المخيطة التي تُذكِّر بلحظات تجريد الإنسان من ثيابه على سدّة المغتسل، ومن ثم مجيء لحظات التذكرة بذلك الكفن الأبيض عندما يرتدي الحاج ثوبي الحج، الذي لم يلون بلون ولم يُخَط بخيط، ولم تطبع عليه صورة أو اسم أو عبارة من عبارات ملابسنا التي تزيننا في عالم الدنيا، ثم التذكرة بالحشر والنشر يوم القيامة للحساب عند الخروج لعرفات ومزدلفة، حيث ترى ذلك البياض من الحجيج مشغولين بأنفسهم، مذهولين من الموقف، خائفين -كخوفهم في الآخرة- من عدم شمولهم بواسع رحمته تعالى وعفوه ومغفرته، كأنهم في ذلك اليوم الذي (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) [1].
والحج رسالة تنبه العالم الإسلامي على الحرص على وحدة الموقف والكلمة كوحدة موقفهم في المشاعر المقدسة، ووقوفهم صفاً مرصوصاً في الذود والدفاع عن بيضة الإسلام الذي غدا مهدداً من الداخل والخارج، مهددٌ من الداخل بسبب محاولة قلب مفاهيمه من قبل بعض من يحسب عليه، ومحو سماحته، وتجهيل أتباعه بالمفاهيم البعيدة عن روح الإسلام وجوهره، كما نجده في الجمعات المتطرفة والتكفيرية.
وهو مهددٌ من الخارج أيضاً من قبل أعدائه ومناوئيه بشتى الطرق والوسائل، لهدم أركانه وتقويض أساسه، وإضعافه في عيون أتباعه المسلمين أنفسهم.
ورغم كل تلك التهديدات الداخلية والخارجية، ورغم اليأس الذي أصاب الأمة من عدم اجتماعهم على قيادة وموقف واحد خلال الغيبة الكبرى، فإن الآمال معقودة على صاحب الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة، الذي سيأخذ بيد الأمة الإسلامية والإنسانية نحو الهدف المنشود من وجود الخليقة، قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)[2].
مجلة اليقين العدد (41)