علي مع الحق والحق مع علي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين.

  من القضايا التي تبانىٰ عليها العقلاء هي قضية قياس كل شيء على ميزان الحق، فكل شيء يشتبه على الإنسان حقيقته أنه حق أولا؟ فإن القاعدة في ذلك هو أنه يجب عليك أن تعرف الحق أولاً، ثمَّ بعد ذلك تعرف أهله وتعرف أحقية ذلك الشيء، وهذا ما يؤيده ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنَّ الحقَّ لا يُعرَفُ بالرِّجالِ، اعْرِفِ الحقَّ تَعرِفْ أَهلَهُ)[1] ، لكن هذا القانون لا يبدو انه يعمل في بعض المواضع وبالخصوص مع سيد البلغاء والموحدين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإننا نجد الأمر مختلفاً تماماً، فأمير المؤمنين (عليه السلام) لا نحتاج إلى معرفة الحق مسبقاً كي نعرفه، بل بمجرد  الاطلاع على سيرته وأقواله وخطبه فإنك وصلتَ إلى الحق، والسبب في ذلك لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد اتبع الحق حق اتباعه، واقتفى خطى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهو القائل: (وَلَقَدْ کُنْتُ أَتَّبِعُهُ -أي: رسول الله (صلى الله عليه وآله)- اتِّبَاعَ الْفَصِیلِ أَثَرَ أُمِّهِ، یَرْفَعُ لِی فِی کُلِّ یَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ عَلَماً، وَیَأْمُرُنِی بِالْإِقْتِدَاءِ بِهِ.

  ثم يقول: (..إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ، وَتَرَی مَا أَرَی، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، وَلکِنَّكَ لَوَزِیرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَیٰ خَیْرٍ)[2]، وهذا ما كان واضحاً عند كثير من الصحابة عند اشتداد الفتن، فعن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) أنه قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): (فَإِذا رَأَيتَ ذلِكَ فَعَلَيكَ بِهذَا الأَصلَعِ عَن يَميني (يعني: عَلِيّ بن أبي طالِبٍ)، وإن سَلَكَ النّاسُ كُلُّهُم وادِياً وسَلَكَ عَلِيٌّ وادِياً، فَاسلُك وادِيَ عَلِيٍّ، وخَلِّ عَنِ النّاسِ، إنَّ عَلِيّاً لا يَرُدُّكَ عَن هُدىً، ولا يَدُلُّكَ عَلى رَدىً، يا عَمّارُ، طاعَةُ عَلِيٍّ طاعَتي، وطاعَتي طاعَةُ اللهِ) [3]

  ولم يكن عليٌّ (عليه السلام) هو الميزان والمعيار في الحق والباطل فحسب، بل كان ميزاناً يعرف به الكافر والمنافق وغيرهما، فقد روي عن جابر بن عبد الله انه قال: (مَا شَكَّ فِي عَلِيٍّ إِلا كَافِرٌ)[4]، وسُئِلَ أَيضاً عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ (واللهِ مَا كُنَّا نَعْرِفُ مُنَافِقِينَا إِلا بِبُغْضِهِمْ عَلِيًّا)[5].

  مجلة اليقين العدد (48)

 


[1] روضة الواعظين: ص39.

[2] خطبة: 192.

[3]

[4] ينابيع المودة للقندوزي: ج2، ص277.

[5] المصدر السابق.