مشاورة النبي (صلى الله عليه وآله) لأصحابه

هناك شبهة عالقة في أذهان الكثير من أتباع المذاهب الأخرى كالورثاني ـ فقيهٌ وعالم سني ـ يقولون: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) غير مستغنٍ عن رعيته! وليس كاملاً بنفسه! وليس مبّرءاً من الخطأ والزلل!! بدليل مشاورته لأصحابه، فلو كان كذلك فلمَ أمره الله تعالى بمشاورة أصحابه في قوله: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ..)[1]؟! أَلا تدل تلك المشاورة والاستعانة بفقره إليهم!؟

وجوابها:

أولاً: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) لم يشاور أصحابه لفقر منه إلى آرائهم من حيث ظنّ المتوهمون، بل هو أكمل الخلق، وأحسنهم رأياً وأوفرهم عقلاً وأكملهم تدبيراً، ناهيك عن تواصله مع الله تعالى وملائكته وتواترهم عليه وإنباءه بالمصالح والمفاسد، وذلك باتفاق أهل الملل والنحل الإسلامية، والآية أدل دليل على نقض توّهمهم فقوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[2]، فقد عُلّق فيها وقوع الفعل على عزم النبي(صلى الله عليه وآله) دون مشورتهم، ولو أنّه قد أُمِر بمشورتهم للاستقفاء برأيهم لقيل في الآية: فإذا شاروا عليك فاعمل بما شاروا، ولكان تعلّق فعله بالمشورة دون العزم الذي اختص به، وأمّا الوجه في استشارتهم لِيعلّمهم النبي(صلى الله عليه وآله) بما يصنعونه عند اتخاذ قراراتهم، ويقتدون به، ليتأدبوا بآدابه وسنته.

ثانياً: إنّ الله سبحانه وتعالى أخبر النبي(صلى الله عليه وآله) بوجود ثلّة منافقة في أمته تبتغي له الغوائل، وتتربص به الدوائر، ولم يُعلمه الله بأعيانهم في البدء، قال تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ..)[3]، حتى أنزل الله تعالى: (.. فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ..)[4]، فدلّه عليهم وجعل الطريق إلى معرفتهم لحن قولهم من خلال مشورتهم ليصل بما يظهر منهم إلى علم باطنهم، فإنّ الناصح تبدو نصيحته في مشورته، والغاش المنافق يظهر ذلك في مقاله، كما هو الحال في ما ورد من مشورتهم في (بدر) لما أشاروا عليه في الأسرى عن نيات مشوبة، قال تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ  يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[5] فصدر التوبيخ الصريح بحقهم.

  إذاً لم تكن مشورة النبي (صلى الله عليه وآله) لأصحابه عن حاجة وإنّما لما قدّمناه أعلاه.

المصدر: مجلة اليقين، العدد (68)، الصفحة (10).

 


[1] آل عمران: آية 159.

[2] آل عمران: آية 159.

[3] التوبة: آية 101.

[4] محمد: آية 30.

[5] الأنفال: آية 67.